المجلس الأعلى للقضاء: مهام جسيمة وإمكانيات منعدمة

منذ 28 افريل المنقضى وضع قطار المجلس الأعلى للقضاء على السكة لينطلق في السير نحو ترتيب بيته الداخلي فكانت البداية باختيار رئيس مؤقت له حتى ينطلق في تسيير الأمور وتعبيد الطريق للسير فيه حتى يصل إلى الوضع الدائم ،خطوة تلتها خطوات أخرى تمثلت في اختيار

المجالس القطاعية (مجلس القضاء المالي،مجلس القضاء العدل ومجلس القضاء الإداري) رؤساء مؤقتين لهم ومنها انطلقت عملية سدّ الشغورات حيث تم تقديم قائمة الترشيحات لرئاسة الجمهورية الذي أمضتها مؤخرا ونشرت بالرائد الرسمي وأدى القضاة الذين تمت تسميتهم في الوظائف القضائية العليا اليمين لينضموا إلى فريق المجلس.ولكن هذه الخطوات الثابتة لا بد لها من شروط حتى تثبت أكثر ويقوم المجلس بمهامه على أكمل وجه ،نتحدث هنا عن الإمكانيات على عدة مستويات ،فماذا توفر لهذا الهيكل القضائي اليوم ليحقق المطلوب؟
من جهة أخرى تم مؤخرا فتح باب الترشح لسدّ الشغور المتمثل في الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف وفق ما أفادنا به مصدر مطلّع من المجلس الأعلى للقضاء، وللتذكير فإن هذا الأخير قد شهد عدّة عقبات في طريقه بعد سلسلة الخلافات التي جدّت بين الهياكل القضائية وكذلك بين أعضاء المجلس في حدّ ذاتهم الأمر الذي جعل المسار يدخل في منعرج وصف بالخطير واستدعى تدخل السلطة التنفيذية.

تهديد بتعليق العمل ؟
يبدو أن الأجواء داخل المجلس الأعلى للقضاء تتسم هذه الفترة بالغليان والاحتقان ليس لخلافات بين أعضائه حول مسألة ما بل لأنهم مستاؤون من طريقة تعاطي الجهات الحكومية الرسمية مع هذا المولود الجديد حيث لم توفر له الحاضنة المناسبة لنموه وحتى ينطلق في تحقيق أحلام منظوريه والمتمثلة في سلطة قضائية مستقلة والقطع مع المحاباة واللاشفافية في النقل والترقيات وغيرها.بالإضافة إلى الإمكانيات اللوجستية والمادية حتى يعمل القضاة في أحسن الظروف،فبالرجوع الى القانون الأساسي المنظم لهذا الهيكل القضائي فإن الفصل الأول منه يعرفه على انه «مؤسسة دستورية ضامنة في نطاق صلاحياتها حسن سير القضاء واستقلالية السلطة القضائية طبق أحكام الدستور والمعاهدات الدولية المصادق عليها. ويتمتع المجلس بالاستقلال الإداري والمالي والتسيير الذاتي وله السلطة الترتيبية في مجال اختصاصه» كما ينصّ الفصل 72 من ذات القانون على أن» تضع الدولة تحت تصرف المجلس وبمجرد استكمال تركيبته، الموارد البشرية والاعتمادات المالية الضرورية إلى حين رصد الميزانية الخاصة به وضبط الأنظمة الأساسية الخاصة بأعوانه».هنا يطرح السؤال ماذا تحقق من كل

ذلك وقد مرّ على تركيز المجلس الأعلى للقضاء أكثر من شهرين؟ سؤال أجابنا عنه كريم الراجح احد أعضاء المجلس فقال متسائلا هو الآخر «كيف لا يمكن المجلس من مقر إلى حد الآن؟، كيف لا تسرح الاعتمادات المرصودة على ضحالتها؟، كيف تواصل السلطة التنفيذية إصدار أوامر وقرارات هي من صلاحيات المجلس؟، كيف يصبح الأعضاء بمثابة الجوقة التي يقع استدعاؤها للحضور في كل مناسبة؟، كيف يواصل السيد وزير العدل الإشراف على تنصيب القضاة الذين تمت تسميتهم؟». مجلس بلا مقرّ لائق وخاص به إلى حدّ اليوم إذ لا يزال يعقد جلسات عمله في الجزء الفرعي لمجلس نواب الشعب أو ما يعرف سابقا بمجلس المستشارين،إمكانيات مادية غائبة ، وهناك إشكاليات بالجملة يعانيها القضاة إذ وصل بهم الحدّ إلى التفكير في تعليق العمل إلى حين تسوية الوضعية وتوفير الإمكانيات اللازمة لهم ،صحيح أن المسألة أي تعليق العمل مجرد فكرة طرحت من قبل احد الأعضاء وفق تعبير محدثنا ولكن يمكن أن تتحول إلى واقع إذا تواصل الوضع على ما هو عليه.

حركة قضائية على الأبواب
قريبا يدخل مرفق العدالة في العطلة القضائية الصيفية ليتم قبل العودة الإعلان عن الحركة القضائية لهذه السنة،مهمة موكولة للمجلس الأعلى للقضاء بعد تسلمه المشعل من الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي،محطة مهمة انطلق المجلس الأعلى للقضاء عامة ومجلس القضاء العدلي بصفة خاصة في الاستعداد لها منذ مدّة إذ نشرت المعايير المتبعة وتوجهت بمرسلات في الغرض لرؤساء المحاكم والوكلاء العامين وكل من يهمّه الأمر. ولكن في ظل هذا الوضع المحتقن فإن الوضع يختلف والمجلس أمام مسؤولية جسيمة ومجهوداته ستكون مضاعفة من اجل النجاح في امتحان الحركة القضائية واثبات استقلاليته وإتباعه المعايير المطلوبة دون محاباة أو تدخلات من أي طرف كان، فهذا الهيكل قدره أن يبقى متعثرا في مساره بكامل مراحله فمنذ أن تم اقتراح مشروع القانون المنظم له انطلقت مرحلة التعثر مرورا بالانتخابات التي كشفت المستور وحقيقة الخلافات بين الهياكل القضائية عنوانها القطيعة شبه الدائمة وتحديدا بين جمعية القضاة من جهة واتحاد القضاة الإداريين ونقابة القضاة واتحاد قضاة دائرة المحاسبات من جهة أخرى وصولا إلى المرحلة الحالية وهي نقطة وجد فيها المجلس نفسه بين مطرقة المهام الموكولة إليه وسندان الإمكانيات المنعدمة اذ يخيم عليه شبه ركود خاصة وأن خطوات اخرى لم يصلها بعد وهي انتخاب رئيس دائم له وغيرها من الامور حتى يكتمل بيته الداخلي فإلى متى هذا الوضع؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115