يمثل خطرا على امن الدولة تحت الإقامة الجبرية، حرب تقودها الحكومة ولكن تتداخل فيها عديد الأطراف أبرزها القضاء الذي لا بد أن يلعب دورا مهما في المرحلة القادمة حتى تكتمل الحرب بنجاح من خلال البت في ملفات الفساد القديمة منها ونقصد بها تلك التي أسفر عنها تقرير لجنة عبد الفتاح عمر للتقصي حول الرشوة والفساد والجديدة وهي نتيجة الإيقافات الأخيرة.
وللتذكير فإن الأسبوع الفارط شهد سلسلة من الإيقافات شملت ثلة من رجال الأعمال من بينهم شفيق الجراية الذي وجه له القضاء العسكري تهمة الاعتداء على امن الدولة والخيانة العظمى وهي تهمة لم توجه منذ سنوات.
متى يتم الفصل فيها؟
أحدثت لجنة تقصي الحقائق حول الرشوة والفساد أو ما تسمى اليوم بلجنة عبد الفتاح عمر منذ فيفري 2011 و نشرت تقريرها الختامي في بعد تسعة أشهر تقريبا أي في نوفمبر 2001 كشفت فيه عن آلاف ملفات الرشوة والفساد في عديد القطاعات عمل جبار بشهادة الملاحظين والمتابعين لهذا الشأن ولكن أمل التونسيين في مكافحة الفساد بعد الثورة ومحاسبة المفسدين سرعان ما تلاشى إذ بقي التقرير مجرد حبر على ورق والملفات بقيت بدورها حبيسة رفوف القضاء خاصة الثقيلة منها ،ميئات القضايا أحيلت على القطب القضائي المالي ولكن نسبة الفصل فيها لم تتجاوز 10 % فقط وهو ما طرح عديد التساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء كل هذا البطء،في هذا السياق حمّل رئيس الحكومة يوسف الشاهد في حوار له بإحدى الصحف اليومية المسؤولية إلى القضاء العدلي من اجل التحرك والفصل في قضايا الفساد والرشوة منذ 2011 فقال «على القضاء العادل أن يلعب دوره وهنا أشير إلى أن بعض قضايا تقرير عبد الفتاح عمر لم يتم الفصل فيها إلى اليوم نحن لا يهمنا الحكم بقدر ما يهمنا الفصل فيها». تصريح من المؤكد أن الشاهد أراد من خلاله توجيه رسالة واضحة وصريحة للقضاء العدلي المتعهد بملفات الفساد المالي والإداري والرشوة للتحرك في الاتجاه الصحيح ونفض الغبار عن الملفات التي مرّت عليها أكثر من ست سنوات علما وانه قد أدى مؤخرا وتزامنا مع سلسلة الإيقافات زيارة إلى القطب القضائي المالي مرفوقا بوزير العدل غازي الجريبي عاينا من خلالها سير العمل بهذا الهيكل القضائي.
هل الإرادة السياسية ما كان ينقص؟
القضاء بصفة عامة والعدلي بصفة خاصة اليوم أمام امتحان كبير لإثبات جرأته من خلال إخراج ملفات الفساد والرشوة القديمة من الرفوف ونفض الغبار عنها وفتحها والبت فيها حتى لا يكرس مبدأ الإفلات من العقاب الذي أصبح ومنذ سنوات هو القاعدة والعقاب هو الاستثناء أمام البطء الذي شهدته عديد القضايا المنشورة منذ 2011 ،القطب القضائي المالي هو المعني الأول بهذه الملفات باعتباره المختص فيها وزيارة الشاهد له ربما تسفر عن سلسلة من القرارات الداعمة للإطار القضائي خاصة وان الملفات تعد بالآلاف وعدد القضاة المتعهدين بها يعتبر غير كاف بالنظر إلى حجم تلك القضايا ودقتها وتعقيدها.
من جهة أخرى وأمام هذه الحرب التي شنها الشاهد على الفساد والمطالبة بفتح الملفات القديمة والفصل فيها وكذلك الجديدة من خلال تحميل المسؤولية للقضاء العدلي بالقيام بدوره هل يمكن القول انه ما كان ينقص مسار مكافحة الفساد ومحاسبة مرتكبيه هي الإرادة السياسية والجرأة في القيام بالخطوة الأولى؟.ربما نعم لأن تونس ما بعد الثورة تعاقبت عليها عديد الحكومات وكل واحدة تضع ضمن أولوياتها محاربة الفساد ويبقى مجرد شعار وحبرا على ورق الأمر الذي جعل الفساد يتفاقم ويغزو كل مفاصل الدولة تقريبا وأصبحنا أما فساد ما قبل والثورة وفساد ما بعد الثورة.