ما بعد الثورة حيث تمت العملية الانتخابية بنجاح وفق شهادة أهل القطاع والمراقبين وكانت فرحة بعثت الأمل في تأسيس قضاء مستقل ونزيه ولكن هذه الفرحة لم تدم طويلا إذ طفت الخلافات والحسابات القطاعية على السطح لتقلب الموازين فعوض أن يسير المجلس الأعلى للقضاء نحو الوضع الدائم بتركيزه والانطلاق في أشغاله دخل في نفق مظلم مليء بالاحتقان والتجاذبات بين الهياكل القضائية والتي تحولت فيما بعد إلى صراعات داخلية أي بين أعضاء المجلس الأعلى للقضاء فيما بينهم ،والنتيجة كانت الانقسام إلى شقين.
انقسام عمّق الأزمة أكثر فأكثر وطال انتظار المتداخلين في الموضوع بأن يتوصل المعنيون بالأمر إلى اتفاق للخروج من الأزمة التي أصبحت تشكل خطرا على مرفق العدالة بصفة عامة باعتبار أن عديد المحاكم شهدت سلسلة من الإحالات على التقاعد و المجلس الأعلى للقضاء هو المكلف بسدّ تلك الشغورات،اتفاق لم يحصل رغم وجود مبادرة قضائية تقدم بها ثلاثة قضاة معينين بالصفة في المجلس المذكور والوضع لم يعد يحتمل الانتظار أكثر ،هنا وبعد أن قالت بأن ذلك شأن يهم القضاة لوحدهم وجدت الحكومة نفسها مضطرة للتدخل لوقف نزيف الخلافات وحتى لا تزداد الأزمة عمقا لا تحمد عقباه فقامت باقتراح مبادرة تشريعية وهي عبارة عن تعديل شمل عدد من فصول القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء،حلّ أحيل على لجنة التشريع العام التي صادقت عليه وإحالته بدورها على مجلس نواب الشعب الذي صادق عليه في جلسة عامة بالرغم من معارضة عديد النواب الذين تقدموا بطعن فيها لدى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين وقد تم بعد ذلك ختمها من قبل رئيس الجمهورية لتكون الانطلاقة الفعلية للهيكل القضائي المذكور نحو الوضع الدائم.
من جهته قام رئيس مجلس نواب الشعب بممارسة صلاحياته طبقا للقانون الجديد ودعا المجلس إلى الانعقاد في أولى جلساته بتاريخ 28 افريل المنقضي والتي تمت في جوّ وصف بالعائلي وضعت فيه كل الخلافات جانبا وعمل كامل الفريق في كنف المسؤولية والحوار وفق تعبير الحاضرين ،علما وان المبادرة التشريعية لاقت رفضا كبيرا من قبل احد شقي المجلس في حين اعتبرها الشق الآخر شرا لا بد منه لانعدام الحلول واستحالة التوصل إلى اتفق القضاة فيما بينهم.
انطلاقة أسفرت عن انتخاب رئيس مؤقت للمجلس الأعلى للقضاء ونائبتين له وتتالت بعدها سلسلة جلسات العمل للمجالس القطاعية التي بدورها شرعت في تنظيم بيتها الداخلي بسدّ الشغورات الحاصلة في الوظائف القضائية العليا المعينة بالصفة في المجلس الأعلى للقضاء حيث اتفق مجلس القضاء العدلي على ترشيحات وذلك بتقديم قائمة اسمية لرئيس الجمهورية من اجل إمضائها حتى تنشر بالرائد الرسمي وكذلك الشأن بالنسبة لمجلس القضاء المالي الذي قدم ترشيحاته في الشغورات التي تخصه في حين أن مجلس القضاء الإداري مستثنى من هذه العملية باعتبار سدّ الشغورات بالنسبة له يتم بصفة آلية.
ترشحات تمت إحالتها إلى رئاسة الجمهورية منذ أواخر ماي المنقضي في انتظار إمضائها الذي يمثل الضوء الأخضر لمرور أعضاء المجلس الأعلى للقضاء إلى مرحلة أخرى أكثر أهمية وهي انتخاب رئيس ونائب له ولكن هذه المرة ليست بصفة مؤقتة بل دائمة إن صحّت
العبارة ليقلع هذا الهيكل نحو تحقيق أحلام منظوريه من استقلالية القضاء وغيرها وهي مسؤولية وامتحان كبيران فأول امتحان ينتظره هو الحركة القضائية المقبلة.