الخطوة من قبل الأحزاب السياسية والمجتمع المدني الرافض له رفضا قاطعا والمطالب بإسقاطه.هذه الوثيقة محور الحديث هي مقترح قدمته رئاسة الجمهورية منذ جويلية 2015 ومنذ ذلك الوقت انطلقت رحلة المدّ والجزر وتباينت الآراء بين من يعتبر أن المصالحة أمر ضروري لإنجاح مرحلة الانتقال الديمقراطي وبين الرافض لهذا المشروع تماما ووصفه بمشروع تبييض الفساد والمفسدين ويكرس الإفلات من العقاب.اليوم وبعد عودة هذا المشروع الى طاولة لجنة التشريع العام مجددا وللمرة الثانية تقريبا تطرح عديد الأسئلة والسيناريوهات.
علما وان رئاسة الجمهورية علّلت تقديمها له بأنه سيساهم في تنمية اقتصاد البلاد الذي يشهد أزمة منذ سنوات ،في المقابل اعتبرت هيئة الحقيقة والكرامة أنه يفرغ مسار العدالة الانتقالية من محتواه خاصة وأنه هناك لجنة صلبها تعنى بالتحكيم والمصالحة.
مسار متعثر منذ البداية
إن التدرج الذي قام عليه القانون الأساسي للعدالة الانتقالية المؤرخ في ديسمبر 2013 ينطلق من المصارحة مرورا بالمحاسبة وصولا إلى المصالحة،تمش لاقى استحسان الجميع وخاصة ضحايا الانتهاكات بجميع أنواعها رغم ما وجّهت من انتقادات للقانون المذكور في عدد من فصوله خاصة تلك المتعلقة بتركيبة هيئة الحقيقة والكرامة.
من جهة أخرى وكما هو معلوم فإن الثورة قامت من اجل بناء تونس جديدة أساسها الديمقراطية ودولة القانون وذلك من خلال القضاء على الفساد ومحاسبة المفسدين ثم المصالحة ولكن بعد أربع سنوات تقريبا يطلّ علينا مشروع قانون المصالحة الذي خلّف ضجّة كبرى في الساحة الوطنية وحالة من الاحتقان في صفوف العديدين منهم عائلات شهداء وجرحى الثورة وضحايا الانتهاكات لتنبثق عن هذا الغليان حملة تحت عنوان «مانيش مسامح» ساندها العديد من المنظمات والجمعيات الحقوقية. مشروع قانون أحيل على مجلس الوزراء صودق عليه وتعهدت به لجنة التشريع العام ،وضعته على طاولة النقاش للمرة الأولى في جوان 2016 فرافقته مسيرة حاشدة شارك فيها عدد من الأحزاب السياسية وممثلون عن المجتمع المدني رافعين شعارات «ما يتعدّاش» ومانيش مسامح» في رسالة واضحة وصريحة تعبر عن رفضهم لتلك الوثيقة،اللجنة المعنية وقتها واصلت أعمالها ولكن سرعانما أعادت المشروع إلى الرفوف ربما لإخماد نيران الاحتجاجات واختيار الوقت المناسب للخوض فيه مجددا وربما لإعطاء الأولوية لمشاريع قوانين تتعلق بمكافحة الفساد باعتبار أنّ حكومة الشاهد طالبت بالتعجيل فيها.
«عدتم فعدنا»
بعد هدنة دامت أكثر من عشرة أشهر عاد الحديث عن مشروع قانون المصالحة الاقتصادية خاصة وأن الجهة المقترحة لم تعبر عن نيتها في سحبه رغم الاحتجاجات التي رافقته،أولى الجلسات في الشوط الثاني كانت بتاريخ 28 افريل المنقضي حيث اجتمعت لجنة التشريع العام بحضور ممثل عن ديوان الرئاسة وعدد من النواب ،جلسة كانت ساخنة وفيها الكثير من الجدل وصل حدّ الفوضى والتهديد بالانسحاب ،كما وجدت اللجنة في البداية صعوبة في مناقشة تلك الوثيقة وهي إلى اليوم منكبة على استكمالها.
عودة المشروع إلى طاولة النقاش رافقته عودة المحتجين إلى الشوارع حيث عاش شارع الحبيب بورقيبة يوم السبت 13 ماي الجاري على وقع مسيرة حاشدة ضمت المجتمع المدني والسياسيين الرافضين لهذا المشروع ،تعالت أصواتهم المطالبة بإسقاطه وسحبه لأنه يؤسس لدولة اللاقانون ويكرس للإفلات من العقاب وتبييض الفساد على حدّ تعبيرهم. في خضمّ كلّ ذلك تواصل اللجنة المعنية أعمالها وبعد استكمال مهمتها ستحيل المشروع إلى مكتب المجلس ليضمن في جدول أعمال إحدى الجلسات العامة ويقول التصويت كلمته إما يمرّ أو يسقط ولكن سيناريوهات عديدة تطرح قبل الوصول إلى تلك المرحلة وبعدها ، فهل تأتي الاحتجاجات أكلها وتدفع نحو عودة الوثيقة إلى الرفوف من جديد في هدنة أخرى إلى أن يأتي ما يخالف ذلك؟ أم هناك تصميم على تمريرها مهما كان الثمن حتى وان اكتظت الشوارع بالمحتجين ضدها؟ علما وأنه من الواضح أن نزيف الاحتجاجات والمسيرات المطالبة بعدم تمرير مشروع قانون الصالحة ستتواصل.
من جهة أخرى هناك قاعدة لا بأس بها من الداعمين لهذا المشروع خاصة من السياسيين إذ يعتبرونه الطريق نحو تحقيق الديمقراطية وانطلاقة جديدة نحو الأفضل مبيّنين أن مشروع قانون المصالحة الاقتصادية لا يكرّس للإفلات من العقاب كما يعتقد المعارضون له على حدّ تعبيرهم بل يمرّ بالمحاسبة قبل المصالحة. هنا لسائل أن يسأل إذا ما جدوى لجنة التحكيم والمصالحة؟ أو ما جدوى القانون ما دام هناك لجنة معنية؟ هذه الأسئلة وغيرها تبقى مطروحة ويبقى معها الجدل متواصلا بخصوص مرور هذا القانون أو إسقاطه إلى حين استكمال لجنة التشريع العام أعمالها وإحالته على الجلسة العامة وما بعد ذلك فإن تم تمريره بالتصويت فإن احتمال الطعن فيه أمام الهيئة الوقتية للنظر في دستورية مشاريع القوانين وارد جدّا.