وللتذكير فإن خطوة تنقيح القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء كانت محلّ جدل واسع وخلفت مواقف مختلفة في صفوف الهياكل القضائية بين مؤيد لها مثل اتحاد القضاة الإداريين،نقابة القضاة ،اتحاد قضاة دائرة المحاسبات وجمعية القضاة الشبان ورافض لها مثل جمعية القضاة التي خاضت سلسلة من الاحتجاجات والإضرابات تعبيرا عما أسمته التفافا من السلطة التنفيذية على السلطة القضائية خاصة في ظل وجود مبادرة من قبل ثلاثة قضاة معينين بالصفة في المجلس.
«جلسة بلا تشنج»
كما هو معلوم فإن الخلافات بين شقي أعضاء المجلس الأعلى للقضاء كانت على أشدها في الفترة المنقضية إذ وصلت حدّ لجوء احدهم إلى القضاء الإداري وطلب توقيف القرارات التي أسفرت عنها اجتماعات الشق الآخر فكان الأمر كذلك إذ أصدرت المحكمة الإدارية قرارين الأول بتأجيل التنفيذ والثاني بالإيقاف ولكن اليوم تركت كلّ تلك الخلافات جانبا وعقدت أولى الجلسات في أجواء وصفت بالجيدة جدا ،ولرصد مزيد من التفاصيل حول الموضوع تحدثنا مع الهادي القديري الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف وعضو بالمجلس الذي قال «الجزء الأول من الجلسة خصص للأمور الترتيبية والتي كانت في أجواء عائلية بأتم معنى الكلمة وتناقشنا في جوهر الأعمال دون أي تشنج يذكر».
من نال الرئاسة المؤقتة؟
أسفرت الجلسة المسائية التي انطلقت في حدود الثانية بعد الزوال وتواصلت على امتداد أكثر من ثلاث ساعات على انتخاب حاتم بن خليفة وهو عضو في مجلس القضاء الإداري كرئيس مؤقت للمجلس الأعلى للقضاء وذلك بعد فوزه بـ20 صوتا على منافسه من مجلس القضاء العدلي الهادي القديري الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الذي تحصل على 18 صوتا أي بفارق نقطتين فقط أما نائب الرئيس المؤقت فقد آلت إلى كل من فوزية القمري قاضية من مجلس القضاء العدلي ولمياء المنصوري محامية من مجلس القضاء المالي وذلك لتساويهما في الاصوات حيث قرر أعضاء المجلس الإبقاء عليهما في هذا المجلس لأن القانون لم ينضم هذه النقطة (في حال تساوي الاصوات بين عضوين ليس من نفس الاختصاص) وفي انتظار سدّ الشغورات الحاصلة في هذا الهيكل لفتح الباب فيما بعد لانتخاب رؤساء المجالس الثلاثة خاصة بعد أن أقرت المحكمة الإدارية ببطلان الاجتماعات السابقة للمجلس وما انبثقت عنها من قرارات. وللتذكير فإن هناك عضوين اثنين وهما احمد الصواب ورضوان الوارثي قد أحيلا على التقاعد بعد أشهر من تعيينهما بالمجلس.
بداية الحكاية
ما إن تم الإعلان عن النتائج النهائية لانتخابات المجلس الأعلى للقضاء التي أجريت في 23 أكتوبر 2016 حتى اندلعت المعركة ،ففي الوقت الذي كان يتوقع فيه الجميع بأن تكون هذه الخطوة بمثابة الانطلاقة الفعلية في الاتجاه الصحيح وتركيز المجلس الأعلى للقضاء الذي سينير القطاع ويرحل به من الوضع المؤقت الذي دام سنوات إلى الوضع الدائم إلا أن الفرحة لم تدم طويلا وسرعانما رفع الستار عن حجم الخلافات التي ربما كانت مخفية بين الهياكل القضائية أو بالأحرى بين جمعية القضاة والبقية،خلافات وصلت حدّ تبادل الاتهامات والقطيعة شبه التامة بينهم ،وما زاد الطين بلّة هو أن صدى تلك الخلافات وصل الى المجلس في حدّ ذاته حيث كانت النتيجة انشقاقه إلى مجموعتين الأولى اجتمعت وأصدرت سلسلة من القرارات والثانية رفضت الاجتماع وحمّلت رئيس الحكومة المسؤولية باعتباره لم يمض قرارات الترشيح التي تقدمت بها الهيئة الوقتية للقضاء العدلي وعلاقتها بمسألة الدعوى إلى الانعقاد ،في ظل تواصل الحال على ما هو عليه رأى ثلاثة قضاة من المعينين بالصفة صلب المجلس أن يتقدموا بمبادرة قضائية لحلّ الأزمة التي طالت وأثرت سلبا على حسن سير المرفق القضائي ولكنها عمّقت الخلافات حيث لاقت المساندة من قبل أكثر من 26 عضوا مقابل الرفض القطعي للبقية ،باب كبير فتح أمام الحكومة التي وجدت نفسها مجبرة على التدخل وفق تعبير وزير العدل خاصة وأن القضاة لم يتوصلوا إلى اتفاق فيما بينهم وأن الوضع لم يعد يحتمل التأجيل أكثر فكان الاقتراح هو تقديم مبادرة تشريعية تهدف إلى تعديل عدد من فصول القانون الأساسي فكان الأمر كذلك وعرضت المبادرة على الجلسة العامة أين تمت المصادقة عليها وختمها من قبل رئيس الجمهورية في 18 افريل الجاري وبالتالي وجد أعضاء المجلس أنفسهم مجبرين على الاجتماع في نفس الطاولة لا مخيرين بعد أن اصحبوا محكومين بالقانون بقطع النظر عن أحقيتهم في عدم الحضور ولكن عندها سيجدون أنفسهم بين مطرقة ممارسة هذا الحق وسندان مصلحة القطاع.
من المتغيب ولماذا؟
عدد أعضاء المجلس المنصوص عليهم في القانون المنظم للمجلس هو 45 عضوا ولكن الموجودين على ارض الواقع 39 فقط وذلك بعد سلسلة الشغورات الموجودة وعددها 6،جلسة يوم أمس حضرها 38 عضوا من بين 39 وباستفسارنا عن المتغيب والأسباب الكامنة وراء ذلك أفادنا الهادي القديري الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بأن محمد مهدي المعزون هو العضو المتغيب عن الجلسة الأولى وذلك لأنه خارج ارض الوطن في مهمة عمل.