مصادقة جاءت بالرغم من صدور أحكام قضائية باتة عن المحكمة الإدارية تقضي بتوقيف تنفيذ 10 قرارات اتخذها مجموعة من أعضاء المجلس الأعلى للقضاء خلال اجتماعات عقدت منذ جانفي المنقضي وهو ما خلّف استياء العديد من الأطراف السياسية والقضائية وكذلك الحقوقية التي اعتبرت المبادرة ضربا من ضروب التدخل في القضاء والالتفاف على السلطة القضائية التي نصّ الدستور على أنها مستقلة على حدّ تعبيرهم.
وما زاد الطين بلّة هو الإشكالات القانونية والاستفهامات التي خلّفتها الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين التي وبسبب الشغورات الموجودة صلبها في منصب الرئيس واحد أعضائها أصبح هناك ما يعبر عنه بالاستحالة القانونية للنظر في مطلب الطعن الذي تقدم به أكثر من 30 نائبا في دستورية قانون تنقيح القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء علما وان النصاب القانوني المنصوص عليه للبت في مثل هذه الطعون هو أربعة.
هذا المنعرج الذي دخلته أزمة تركيز أول هيكل قضائي دستوري وأول لبنة في المسار الدائم للسلطة القضائية حتما سيزيد من تعطيل إرسائه وبالتالي سيؤثر سلبا على حسن سير مرفق العدالة خاصة وأن عديد المحاكم شهدت سلسلة من الإحالات على التقاعد لعدد من القضاة وسدّ تلك الشغورات هي من مهام المجلس الأعلى للقضاء. من جهة أخرى أقرت المحكمة الإدارية بوجود الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي وبالتالي تطرح تساؤلات أخرى هل يمكنها القيام بمهمة سدّ الشغورات أم وجودها يقتصر على صلاحيات معينة؟ هذه الإشكاليات تزيد من تعمّق أزمة المجلس الأعلى للقضاء.
بين مدى شرعية الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين للنظر في مطلب الطعن في دستورية المبادرة التشريعية من عدمها وبين الجدل الحاصل بسبب الأحكام القضائية الصادرة مؤخرا فإن الكرة اليوم مجددا في ملعب رئاسة الجمهورية التي قد قامت سابقا بحسم الأمور فيما يتعلق بالقانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء الذي طال النقاش فيه بين أروقة قبة باردو في جولة ثلاثية ،لجنة التشريع العام،الجلسة العامة و هيئة مراقبة الدستورية وفي نهاية المطاف وفي ظل عدم قدرة هذه الأخيرة على حلّ الموضوع أحالت الملف على رئاسة الجمهورية حيث قام الباجي قائد السبسي بختم القانون رغم احترازات جمعية القضاة وعدد من الهياكل الأخرى هاهو اليوم رئيس الجمهورية يظهر في الصورة من جديد لأن الإجراءات المعمول بها تنصّ على أن القانون قبل نشره بالرائد الرسمي يختم من قبل تلك الجهة .في نفس السياق طالبت اللجنة الدولية للحقوقيين بالامتناع عن عملية الختم مبدية قلقها من أن تضعف تلك التعديلات المحدثة على القانون من القضاء كما حثت رئاسة الحكومة من جهة أخرى على ضرورة الإمضاء على الترشيحات المقدّمة من قبل الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي .
مشهد تغلب عليه الخلافات والاحتقان على عدة مستويات ولكن الأهم اليوم هو وضع كل ذلك جانبا ووضع مصلحة مرفق العدالة فوق كل الاعتبارات والحسابات السياسية والقطاعية الضيقة والخروج من هذه الأزمة التي طال أمدها وتواصلها سيؤدي إلى طريق مسدود فعلا وبالتالي لا بد من تجاوز كل الإشكاليات القانونية لتكون النتيجة تركيز المجلس الأعلى للقضاء بأخف الأضرار لأن أثارها ستظهر مستقبلا وهي اخطر من الموجود الآن وفق تقدير عديد المراقبين.