وللتذكير فإن الوضع الحالي للمحاكم وللقضاة وللسلطة القضائية بصفة عامة يعاني من عديد الإشكاليات خاصة مع أزمة تركيز المجلس الأعلى للقضاء التي تربطها علاقة أيضا ببقية الهياكل القضائية الدستورية على غرار محكمة المحاسبات وهي التسمية الجديدة لدائرة المحاسبات لتعزيز صلاحياتها.
ماهي هذه الإجراءات؟
بعد انتظار طويل لسنوات تم فتح ملف القضاء وتعزيز إمكانياته البشرية والمادية واللوجستية بما يتماشى مع متطلبات المرحلة حيث أشرف رئيس الحكومة بتاريخ 18 مارس الجاري بقصر الحكومة بالقصبة على مجلس وزاري خصص للنظر في الإجراءات الكفيلة بتدعيم وتعزيز إمكانيات القضاء العدلي والإداري والمالي في التعهد بملفات الفساد ومكافحة الإرهاب وتفعيل مختلف النصوص القانونية التي صادقت عليها الحكومة في هذا المجال من جهة وتسخير جميع الإمكانيات المادية واللوجستية الضرورية لتنظيم الانتخابات البلدية قبل موفى سنة 2017 من جهة أخرى.حيث تقرر دعم الموارد البشرية بانتداب 20 قاضا جديدا بدائرة المحاسبات خلال سنة 2017 ،60 قاضيا جديدا للمحكمة الإدارية خلال سنة 2017 و 120 من بين كتبة وعملة وموظّفين ، 500 قاض عدلي خلال سنتي 2017 و2018
هذا وقد تقرر تمكين دائرة المحاسبات من الاستعانة الظرفية بعدد من المراقبين من هياكل الرقابة والمختصين في المحاسبة بمناسبة تنظيم الانتخابات البلدية بالإضافة إلى إحداث 12 دائرة ابتدائية جهوية بالمحكمة الإدارية وتوفير وتهيئة المقرات المناسبة لتركيزها و4 دوائر استئنافية بالمحكمة الإدارية، إلى جانب استحثاث نسق إنجاز المقر الجديد للمحكمة الابتدائية بتونس وتخصيص اعتمادات قدرها 10 م.د لصيانة محاكم القضاء العدلي وإحداث 5 إدارات جهوية جديدة للقضاء العدلي بكل من القيروان والقصرين وسيدي بوزيد وجندوبة وباجة.
ماذا عن التنفيذ؟
مما لا شك فيه أن هذه القرارات ووفق ما وصفها العديد من أهل القطاع خطوة ايجابية في الاتجاه الصحيح وهناك أيضا من اعتبرها جرأة كبيرة من وزير العدل الحالي غازي الجريبي تحسب له في مسيرته لأن المطلب قديم متجدد وتعاقبت الحكومات عليه وبقي حبيس الرفوف لينفض عنه الغبار بعد أكثر من ست سنوات ولكن يبقى السؤال الجوهري ماذا عن التنفيذ لأنه لا يمكن أن ننسى أن هذه الإجراءات المتخذة تتطلب إجراءات لتطبيقها على ارض الواقع من انتدابات وتكوين قضاة وغيرها الإداري الذي يطرح سؤالا هل يمكن أن تكون الأمور جاهزة إلى موعد الانتخابات ،هذا السؤال وغيره تحدثنا فيه مع محمد العيادي قاضي إداري وعضو بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الذي قال «الإجراءات التي تم اتخاذها لصالح القضاء بجميع أصنافها ممتازة وسابقة في تاريخ القضاء ما بعد الثورة وهي خطوة تحسب في رصيد وزير العدل الحالي والحكومة الحالية عموما ولو أنها متأخرة نسبيا بالنظر لموعد الانتخابات خاصة بالنسبة للقضاء الإداري فمتى ستقع الانتدابات وتجهيز المقرات وتكوين القضاة؟» وفي سؤالنا عن إمكانية تأجيل موعد الانتخابات البلدية مرة أخرى في صورة عدم جاهزية هذه الإجراءات وعدم استكمال تركيز كل الهياكل الضرورية لإنجاح هذه المحطة الانتخابية أجاب العيادي «في الحقيقة لا لا ادري و لكن الأمر عسير جدا ،المهم أنها قرارات مهمة لكن تتطلب التنفيذ السريع وهي ناتجة عن قناعة وزير العدل الحالي بها باعتباره قاضيا يعرف واقع القضاة وظروف عملهم كما أنها نتيجة مطالبات عديدة من داخل القضاة».
الحكومة اليوم اذا في سباق ضدّ الساعة من اجل تجهيز البساط لإجراء انتخابات بلدية ناجعة وذلك من خلال الإسراع في تنفيذ ما تم اتخاذه من قرارات لصالح القضاء على جميع المستويات خاصة وأن عملية الانتداب تتطلب بعض الوقت وكذلك مسألة تكوين القضاة الذين سيتم وضعهم للعمل في الدوائر الجهوية وغيرها من النقاط،في المقابل الإسراع لا يعني التسرّع بل يجب أن تبنى الأمور على الأسس الصحيحة حتى تكون النتائج فاعلة فمتى تنطلق الحكومة في تنفيذ ما قرّرته؟.
وللإشارة فإن وحدة الاتصال بالمحكمة الإدارية قد عبرت عن ارتياحها تجاه هذه القرارات مؤكدة على أنّ المحكمة الإداريّة تولّت المشاركة في صياغة الخيار التّشريعي المضمّن بقانون الانتخابات المحليّة بخصوص الهيكلة القضائيّة الجديدة للقضاء الإداري واعتمادها كمرحلة أولى نحو تكريس لامركزيّة كاملة للقضاء الإداري. كما تولّت المحكمة القيام بدراسة شاملة لحاجيات الهيكلة القضائيّة الجديدة إنطلقت منذ أشهر وداخل لجان بالمحكمة ثم ّكانت محلّ إجتماعات وزاريّة مع رئاسة الحكومة والوزارات المعنيّة وتوجّت بالموافقة الكليّة عليها.وتتطلّع المحكمة الإداريّة إلى مواصلة التّعاون مع جميع الأطراف المتداخلة لدعم تركيز الهيكلة القضائيّة الجديدة على المستوى الذي يليق بمكانة القضاء الإداري وبمؤسّسات الجمهوريّة الثّانية وفق ما جاء في بيانها الصادر مؤخرا في الغرض.