الاعتداءات الجنسية على الأطفال: «الجريمة الصامتة» بين الواقع والفراغ التشريعي

عديدة ومتنوعة هي الانتهاكات التي يتعرض إليها عدد كبير من الأطفال في تونس بداية بالعنف الجسدي والتسول والتشغيل على خلاف الصيغ القانونية مرورا بالإهمال والانقطاع عن الدراسة وصولا إلى ظاهرة زادت الطين بلّة بتفاقمها ونتحدث هنا عن الاعتداءات الجنسية التي باتت تهز المجتمع

من فترة إلى أخرى ففي الوقت الذي لا تزال واقعة الطفل ياسين مرسومة في ذاكرة كل التونسيين اهتز الرأي العام مؤخرا بجريمة أخرى بشعة راح ضحيتها ايوب البالغ من العمر 11 ربيعا، جرائم فظيعة: اغتصاب،تحرّش جنسي ،تهديد وقتل... أيضا كلّها أفعال يرتكبها ناس همهم الوحيد إشباع رغباتهم البهيمية ،الضحية طفل مازال يحلم ببناء عالمه الوردي ولكن فجأة تبخرت كل أحلامه ولتنقلب حياته إلى كابوس وعالم غريب ،ظاهرة دقت ناقوس الخطر لضرورة سنّ مشرّع يحمي أطفالنا من غول الاعتداءات الجنسية التي تخلف «عاهات» نفسية مستديمة في ظلّ غياب الوقاية والعناية.

الاعتداءات الجنسية ضدّ الأطفال ليست مقتصرة على تونس فقط بل لها لقب «الظاهرة الدولية» والغريب في الأمر أن النسبة الأكبر من المجرمين في حق الطفولة هم من أفراد العائلة الصغيرة أو الموسعة وهو ما يزيد من خطورة الوضع في ظل الصمت الذي يرافق جلّ الحالات خوفا من المجتمع ونظرة الناس .

«غيض من فيض»
نظرة المجتمع، مكانة العائلة، مستقبل الطفل، كلّها عبارات نستمع إليها من عائلة الضحية الطفل الذي يتعرض إلى الاعتداء الجنسي سواء الاغتصاب أو التحرش كمبررات لصمتهم على جريمة أقل ما يقال عنها أنها بشعة ظنّا منهم أن الصمت أفضل وسيلة لحماية طفلهم من مجتمعه حتى يواصل حياته ولكن الحقيقة عكس ذلك لأن المتعرض لمثل هذه الممارسات خاصة في سنّ الثلاث سنوات فما فوق تكون لها أثار نفسية كبرى من شأنها أن تحطّم مستقبله لأنه بركان باق داخله في حالة غليان ولا يستطيع البوح بكلمة خوفا من المجتمع. الأمر يصبح أخطر عندما يكون الجلاّد هو أحد أفراد العائلة الأب أو الأخ أو من الأقارب أيضا فالألم يصبح مضاعفا لأن الضحية يبقى على اتصال وتواصل مع جلاّده ومع من قضى على مستقبله. هذه الظاهرة أصبحت أكثر انتشارا في تونس بعد الثورة فالكلّ لا يزال يتذكر واقعة

الطفل ربيع أصيل منزل بورقيبة الذي تعرض لأبشع أنواع القتل من قبل عمته وزوجها اللذين عبثا بجثّته وقاما بتقطيعها إربا إربا ووضعها في أكياس ولم يستفيق الرأي العام من الصدمة لتليها أخرى وهي مقتل الطفل ياسين على يد رقيب بالجيش الوطني بعد أن حاول الاعتداء عليه جنسياّ ونكّل بجثته النحيفة ،الأمر لم يتوقف عند هذا الحدّ رغم تسليط عقوبة الإعدام رميا بالرصاص على الرقيب إذ قام منحرف في باجة مؤخرا بخطف الطفل أيوب 11 عاما وبعد أن فاحشه مزّق شفاهه وقطع أوردة يديه وأحرق جسده دون أن يرفّ له جفن،هذه القائمة من الجرائم تعتبر غيضا من فيض وقطرة في بحر من أمثالها، أكثرها مسكوت عنها.

أرقام مفزعة
عند الحديث بلغة الأرقام تزداد الرؤية وضوحا حول مدى خطورة ما يتعرض له أطفالنا من اغتصاب وتحرش جنسي تحت التهديد إذ أثبتت الإحصائيات أن عدد الحالات سنة 2013 قد بلغ 262 حالة مقابل 601 حالة سنة 2015 أي بزيادة أكثر من الضعف. أما عن التصنيف حسب نوع الاعتداء فإن التحرش يعد ابرز أصناف الاستغلال الجنسي التي تم رصدها بالنسبة إلى سنة 2015، إذ بلغ نسبة 51.6 % من مجموع 564 إشعارا في الغرض، تليه حالات ممارسة الجنس مع طفل ب187 حالة أي بنســـبة 33.2 %، ثم الاستغلال الجنسي عبر وسائل الاتصال الحديثة ب 27 حالة. والأخطر من ذلك هو أن نسبة أكثر من 70 % من مرتكبي الجريمة هم من الأقارب وهو ما يسمى قانونا بزنا المحارم. أرقام من المؤكد أنها تفاقمت خلال السنة المنقضية.

ماذا عن النصّ التشريعي؟
أمام فظاعة هذه الجرائم التي تغتصب الطفولة وتقطف أحلاما لم تكتمل بعد كان لا بد من نصّ تشريعي يضبط آليات الحماية والوقاية ومتابعة ضحايا الانتهاكات الجنسية للخروج من صدمتهم حتى يمكنهم بناء حياة جديدة وخوض غمار الحياة بلا عقد،كذلك لا بد من تشديد العقوبة على المجرم.وفي هذا السياق يوجد اليوم مشروع قانون العنف ضد المرأة الذي يوجد على طاولة النقاش بلجنة الحقوق والحريات والتي من المنتظر ان تنهي اشغالها بالمصادقة عليه في 19 من فيفري الجاري واحالته على المجلس لتتم جدولته ضمن برنامج الجلسات العامة فالأمر لم يعد يحتمل التأجيل أو التعطيل فهذا المشروع يجب ان يحظى بالأولوية المطلقة لوضع حدّ لهذا النزيف الذي يفتك بأطفالنا على جميع المستويات فالبداية مع كابوس الاعتداء الذي يبقى يرافقه ويدمّر حياته في ظل غياب آليات المتابعة الجيدة والصمت أيضا مرورا بمجتمع وواقع مرير وصولا إلى العذاب بين أروقة المحاكم والقضاء التي تفجّر في الطفل البركان الذي يوجد داخله وتعمقّ أزمته في كل مرّة يروي فيها قصّته الأليمة لذلك اكتفى المشرع في صيغته الحالية بان يتم سماع الضحية مرّة واحدة فقط.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115