هذا الهيكل كان يعتبره أهل الدار نعمة ومكسب ما بعد الثورة ولكن اليوم يبدو وانه تحوّل إلى «نقمة» بسبب الخلافات الكبرى الحاصلة اليوم بين الهياكل القضائية من جهة وبين أعضاء المجلس في حدّ ذاتهم من جهة أخرى. وبعد إعلان الحكومة عن موقفها الرافض التدخل في القضاء صراحة لم يتبق سوى خيارين لا ثالث لها.
للإشارة فإن القضاء الإداري كان قد أوقف أشغال المجلس الأعلى للقضاء المنعقد في أكثر من مناسبة بــ21 عضوا فقط مقابل رفض بقية زملائهم الذين اعتبروا الأمر غير قانوني وتوجهوا إلى المحكمة الإدارية التي أنصفتهم مؤقتا في انتظار قرارها بخصوص مطلب التوقيف.
بعد الموقف الصريح لرئاسة الحكومة في عدم تدخل السلطة التنفيذية في نظيرتها القضائية ومشكل المجلس الأعلى للقضاء شورى بين القضاة أنفسهم فالكرة اليوم في ملعب أهل القطاع الذي يتميز اليوم بالاحتقان والتوتر والاختلافات العميقة في المواقف من الناحية القانونية البحتة الأمر الذي جعل أطرافا وهي اتحاد القضاة الإداريين،نقابة القضاة التونسيين ،جمعية القضاة الشبان واتحاد قضاة محكمة المحاسبات تتوجه إلى قبة باردو أين التقوا برئيس مجلس نواب الشعب مطالبين إياه بالتدخل لإنقاذ الموقف والخروج بهذا الهيكل إلى برّ الأمان وذلك من خلال لعب دور الوسيط بين شقي المجلس الأعلى للقضاء ولمّ شملهم على طاولة واحدة للتحاور وفتح باب النقاش من اجل إيجاد مخرج لهذه الأزمة التي طال أمدها وأصبح لها تأثير واضح على إرساء بقية الهيئات القضائية الدستورية وعلى المشهد القضائي بصفة عامة ،القضاة اثبتوا من خلال هذا الإشكال أن اتحادهم ليس بالأمر الهين وأن تشتتهم اليوم أمر يمكن وصفه بالطبيعي لأنهم وكسائر مؤسسات الدولة يعيشون انتقالا ديمقراطيا وتجربة نحو بناء سلطة مستقلة.
في المقابل قرر ثلاثة أعضاء من المجلس الأعلى للقضاء تقديم مبادرة لحلحلة الأمور توجهوا بها إلى جميع الأطراف المعنية، « من أجل تجاوز الإشكالات التي تحول دون إرساء المجلس، هذه المبادرة مفتوحة على كل الأطراف المتنازعة من بين أعضاء المجلس ومختلف مكونات المشهد القضائي وفق تصريح عبد السلام المهدي قريصيعة الرئيس الأول للمحكمة الإدارية بصفته احد أصحاب المبادرة رفقة اثنين معينين بالصفة ،وتهدف هذه المبادرة إلى وضع تصور متكامل لسبل الخروج من الأزمة في جدول زمني محدد، عبر فتح باب الحوار وتقريب وجهات النظر بين هذه الأطراف من خلال الاستماع إلى ممثلي الهياكل القضائية والأشخاص أطراف النزاع، بما في ذلك التحول إلى مقر الهيئة الوقتية للقضاء العدلي والإصغاء إلى أعضائها.
ردّ محمد الناصر رئيس مجلس النواب على طلب الهياكل المذكورة مفتوح على احتمالين اثنين فيمكن أن تكلّل مهمته بالنجاح ويتوفّق في تقريب وجهات النظر وتوحيد الرؤى في موقف مشترك ويرضي جميع الأطراف ويساهم في بناء هذا الهيكل على أسس قانونية أما الاحتمال الثاني فهو الفشل في ذلك إن تعنت الشقان وتمسك كلّ بموقفه وبذلك تصبح مهمة توحيدهم صعبة،في انتظار ذلك هناك مقترح آخر وهو الحلّ التشريعي أي التعديل في الأحكام الانتقالية للقانون المنظم للمجلس الأعلى للقضاء ،توجه طرحه كل من اتحاد القضاة الإداريين ونقابة القضاة التونسيين. فهل يصبح «شرّ لا بد منه»؟ والباب الوحيد للخروج من أزمة تركيز المجلس الأعلى للقضاء. علما وأن جمعية القضاة التونسيين من جهتها وصفت هذا التوجه بالفتوى القانونية المرفوضة في ظلّ وجود الحلول القانونية وفق تعبيرها.