يعتبر الاتجار بالبشر من بين المواضيع المسكوت عنها في تونس ما قبل الثورة وكانت تعتبر هذه المسألة خطا احمر الأمر الذي ساهم في غياب الإحصائيات والأرقام بخصوص هذه الجريمة.
أسباب عديدة وتونس تعاني من اغلبها
مما لا شكّ فيه فإن لكل شيء سببا وأسباب تفشي ظاهرة الاتجار بالبشر عديدة ومتنوعة وعلى سبيل الذكر لا الحصر انتشار الفقر والبطالة وتدهور الوضع الاقتصادي،عدم قدرة الدولة عن حماية حدودها ، الفساد وعدم الاستقرار السياسي بالإضافة الى ضعف الوازع الاخلاقى والديني وانتشار الجريمة في المجتمع و عدم وجود قوانين رادعه وكذلك ازدياد معدلات اللجوء والهجرة الداخلية والخارجية الهجرة. السؤال المطروح أين تونس من كلّ هذا؟ تونس بلد يمر بمرحلة انتقال حساسة بعد الثورة إذ تتميز بوضع اقتصادي هشّ،انتشار للجريمة وتفشي ظاهرة الإرهاب بالإضافة إلى التهميش الذي تعانيه المناطق الداخلية والتي أثبتت دراسات سابقة بأنها أكثر الأماكن تضررا لما يعيشه أهلها من فقر وخصاصة يستغلها مجرمو البشر لتحقيق أهدافهم التي تجني لهم المليارات مخلفين وراءهم ضحايا بالآلاف نساء ،رجالا وأطفالا،مافيات همها الوحيد جني الأرباح الطائلة من تجارة فيها إجرام واضح وخرق لحقوق الإنسان.
كيف السبيل إلى تطبيق القانون ؟
بهدف مكافحة هذه الجريمة والنسج على منوال عديد دول العالم سنت الدولة القانون الأساسي عدد 61 المؤرخ في 03 أوت 2016 المتعلق بالوقاية من الاتجار بالأشخاص ومكافحته ، قانون عرّف هذه الظاهرة يعد اتجارا بالأشخاص «استقطاب أو تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو تحويل وجهتهم أو ترحيلهم أو إيواءهم أو استقبالهم باستعمال القوة أو السلاح أو التهديد بهما أو غير ذلك من أشكال الإكراه أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال حالة استضعاف أو استغلال نفوذ أو تسليم أو قبول مبالغ مالية أو مزايا أو عطايا أو وعود بعطايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر وذلك بقصد الاستغلال أيا كانت صوره سواء من طرف مرتكب تلك الأفعال أو بوضعه على ذمة الغير لاستغلاله. ويشمل الاستغلال استغلال بغاء الغير أو دعارته أو غيرها من أشكال الاستغلال الجنسي أو السخرة أو
الخدمة قسرا أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد أو التسول أو نزع الأعضاء أو الأنسجة أو الخلايا أو الأمشاج».وجود قانون هدفه التصدي لهذه الظاهرة أمر يذكر فيشكر وخطوة مهمة في الاتجاه الصحيح ولكن يبقى الأهم هو التطبيق على ارض الواقع
،نقطة طرحت خلال الندوة الوطنية التي نظمتها وزارة العدل بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة حول هذا القانون كيفية دعم آليات مكافحة الظاهرة وذلك يوم أمس الثلاثاء 17 جانفي الجاري بأحد النزل بالعاصمة ،في هذا السياق قال غازي الجريبي «هذا القانون جاء تتويجا لجملة الخطوات التي سبقتها عبر المصادقة على عديد البروتوكولات و الصكوك و الاتفاقيات المتصلة بالمجال والانخراط في منظومة احترام حقوق الإنسان ، إلى جانب المصادقة على دستور الجمهورية الثانية وما تضمنه من التزام بضمان الحقوق والحريات الفردية والعامة للمواطنين والمواطنات وبصورة خاصة الحق في الحياة والحق في كرامة الذات البشرية والحق في العمل في ظروف لائقة وبأجر عادل، فضلا عن توفير جميع أنواع الحماية لكل الأطفال دون تمييز وحماية الحقوق المكتسبة للمرأة واتخاذ التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضدها».
هيئة وقتية ولكن
عدم توفر إحصائيات دقيقة وواضحة بخصوص ظاهرة الاتجار بالبشر من شأنه أن يساهم في ضبابية المشهد ويعرقل عملية الوصول إلى حقيقة الوضع وحقيقة المشهد الموجود في تونس اليوم فيما يتعلق بهذه الجريمة ضدّ الإنسانية،مسألة تطرح عديد التساؤلات ماهي أسباب غياب الأرقام؟هل هي عملية مقصودة كان يمارسها العهد السابق لتعتيم الأمور؟ أم صمت الضحايا فاقم من الإشكال؟ .من جهة أخرى وفي انتظار تركيز الهيئة الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر المنبثقة عن القانون المصادق عليه منذ اوت 2016 توجد هيئة وقتية تعمل على هذا الملف ولكن لم نر لها أي تقرير أو شيئا من هذا القبيل توضح فيه الرؤية للرأي العام بخصوص هذه الآفة الخطيرة والتي تفتك بالنساء والأطفال وهو خرق صارخ للمعايير الدولية وتونس طرف فيها. وزير العدل غازي الجريبي تنبأ بان يكون للهيئة المنتظرة دور
كبير في ما اسماه «تنسيق الجهود بين مختلف المتدخلين من جهات حكومية ومنظمات المجتمع المدني، فضلا عن وضع استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الاتجار بالأشخاص وتطوير آليات التصدي لها والوقاية منها إلى جانب بناء قدرات وطنية في التعرف على الضحايا وتوفير الحماية لهم و مساعدتهم». كلام جميلا ومقنع ولكن الأهم هو توفير الامكانيات والظروف اللائقة والضرورية لهذا الهيكل حتى يكون ناجعا ويحقق المطلوب خاصة وأن عديد الهيئات ولدت نتيجة قوانين ولكنها بقيت مجرد اسم بأعضاء مكبلين والأسباب إما أمر لم يمضى او إمكانيات لوجستية ومادية منعدمة.