بتلك الأحكام التي اهتزت لها القاعة بأصوات عائلات الضحايا الرافضة لها والمعتبرة إياها بالمجحفة في حق أبنائهم مقابل فرح عائلات المتهمين باعتبار أن التهم كيّفت وأدت إلى إطلاق سراح كل المسؤولين السابقين. المجلس الوطني التأسيسي آنذاك تحرك وتعالت الأصوات المطالبة بإنشاء تلك الدوائر لتوكل لها مهمة النظر في مثل هذه الملفات. امضي الأمر المتعلق بها في 8 أوت 2014 في انتظار تنفيذه بكامل نقاطه.»المغرب» تطرقت إلى هذا الموضوع وآخر المستجدات فيه.
إلى اليوم وبعد مرور أكثر من سنتين على سن الأمر المحدث للدوائر المتخصصة في القضاء العدلي فإن الجدل بخصوصها متواصل على مستوى عديد النقاط القانونية خاصة في علاقتها بهيئة الحقيقة والكرامة وبالقضاء العسكري الذي لا يزال متعهدا بملفات شهداء وجرحى الثورة.
دوائر جديدة
تم مؤخرا تنقيح الأمر الحكومي عدد 2887 لسنة 2014 المؤرخ في 8 أوت من نفس السنة المتعلق بإحداث دوائر متخصصة في العدالة الانتقالية بالمحاكم الابتدائية المنتصبة بمقار محاكم الاستئناف ،هذا التنقيح جاء على خلفية إضافة أربع دوائر جديدة بكل من نابل والمنستير والقيروان ومدنين باعتبارها لم تكن بها محاكم استنناف وركزت فيها مؤخرا ليصبح العدد الجملي لتلك الدوائر 13 دائرة أربع منها سالفة الذكر والأخرى موزعة بين تونس وصفاقس وقفصة وقابس وسوسة والكاف وبنزرت والقصرين وسيدي بوزيد. هذا الأمر الجديد الذي نشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية منذ 23 ديسمبر الجاري سجل تحت عدد 3182 لسنة 2016 المؤرخ في 19 ديسمبر من نفس السنة. وللتوضيح فإن دائرة مدنين أحدثت لتدارك سهو في المسألة لأن هذه الولاية تتضمن محكمة استئناف منذ البداية ولم تحدث جديدا والعكس بالنسبة للدوائر الثلاث المتبقية.
وللتذكير فإن الهيئة الوقتية للقضاء العدلي قد قامت في 13 نوفمبر 2015 وطبقا للصلاحيات التي يخولها لها قانون العدالة الانتقالية المؤرخ في 2 ماي 2013 بتسمية القضاة الذين سيعملون في تلك الدوائر التي تتكون كل منها من رئيس وأربعة مستشارين وبالتالي فإن العدد الجملي للقضاة الذين تمت تسميتهم منذ أكثر من سنة قد بلغ 45 قاضيا في انتظار تسمية أعضاء بقية الدوائر الأربعة لينضاف إلى العدد سالف الذكر 20 قاضيا بين رؤساء دوائر ومستشارين. ولكن لئن تعتبر هذه الخطوات ايجابية في مسار العدالة الانتقالية عامة وفي مسار هذه الدوائر بصفة خاصة إلا أن السؤال الذي يبقى مطروحا هو متى تنطلق هذه الدوائر في العمل فعليا؟
إشكالات بالجملة؟
هناك عديد الملفات تنتظر التركيز الفعلي لهذه الدوائر لتفتح من جديد من بينها تلك المودعة لدى هيئة الحقيقة والكرامة وكذلك لدى القضاء العسكري ونقصد هنا ملفات شهداء وجرحى الثورة ولكن وجب التركيز هنا على نقطة مهمة وهي أن المسـألة طرحت جدلا وإشكالات بالجملة على المستوى القانوني وفي علاقته بالاتفاقيات الدولية إذ وبعد أن أحيلت ملفات الشهداء والجرحى على محكمة التعقيب وقررت هذه الأخيرة إحالتها مجددا على محكمة الاستئناف العسكرية للنظر فيها بدائرة مغايرة في الوقت الذي تنتظر فيه هيئة الدفاع عن القائمين بالحق الشخصي أن يتخلى القضاء العسكري عن هذه الملفات لفائدة الدوائر المتخصصة واصل هذا الأخير النظر فيها وهي وجهة نظر تبنتها العديد من الأطراف المختصة في القانون والتي رأت أن المحكمة العسكرية قانونا هي المخول لها مواصلة التعهد بهذه الملفات إلى حين استكمال كل أطوار التقاضي.
ومن جهة أخرى رأى آخرون ومن بينهم عدد من محامي المتهمين في ملفات شهداء وجرحى الثورة بأن إعادة فتح ملفات تم البت فيها لا يتماشى مع الاتفاقيات الدولية وهي أن لا يحاكم الشخص مرتين. إشكال آخر يعترض هذه الدوائر وهو أن القضاة الذين تمت تسميتهم في نوفمبر 2015 في التسع دوائر القديمة هناك منهم من سيحال على التقاعد قريبا ومنهم من سيغادر البلاد وهذا سيطرح إشكالا آخر لسدّ تلك الشغورات مما سيساهم في تواصل تعطيل الإرساء الفعلي والواقعي لتلك الهياكل.