• لو تقيّمون لنا مسار تركيز المجلس الاعلى للقضاء منذ البداية الى حدّ اليوم؟
مخاض عسير ممتد في الزمن، انطلقت معركة منذ تنزيل المجلس الأعلى للقضاء في الدستور. ففي كل مسودة كانت الهياكل تتحرك في اتجاه تمتيعه باقصى الصلاحيات وأقصى الاستقلالية، وبالتوازي كنت احضر كل الندوات لخبراء القانون ضمن لجنة خبراء الانتقال الديمقراطي التي يتراسها عياض بن عاشور.
والنتيجة كانت مقبولة، من ذلك انّه بمقارنته بمثيله في الدستور الفرنسي نجده احسن وبكثير. ثم جاءت المرحلة الثانية وهي تنزيل المجلس الأعلى في القانون، تمّ عقد العديد من جلسات الاستماع في لجنة التشريع العام ثم صدر النصّ فطعون ثلاثة امام المحكمة الدستورية الوقتية وبانتهاء هذه المرحلة بصدور النصّ، ثم الانتخابات في 23 اكتوبر 2016، فالطعون الى ان صدرت النتائج النهائية في 14 نوفمبر 2016.
• ماذا بخصوص مسألة الدعوة الى انعقاد اولى جلسات المجلس؟
وهنا كان من المتعين ، طبق الفصل 73 من قانون المجلس الاعلى للقضاء، دعوة هذا المجلس من قبل رئيس الهيئة الوقتية للقضاء العدلي في اجل اقصاه شهرا من تاريخ تسلمه نتائج الانتخابات. ومن البديهي انّ النصّ لم يضف اي شرط اخر للدعوة، الا انّ هذا الرئيس امسك عن القيام بذلك واعلنها صراحة في اذاعة خاصة يوما قبل تقاعده في 30 نوفمبر الفارط لأسباب اراها واهية من الناحية القانونية وفي باطنها كردّ فعل لعدم التمديد له مما ادى الى ارتهان هيئات دستورية وتعطيلها.
ثم وبنوع من الاجتهاد طلبنا ممن ينوبه على الاقل بمقتضى النظام الداخلي للهيئة الوقتية للقضاء العدلي، وبمقتضى كذلك ما جرى العمل به الا انه رفض بدوره وكان الاجل الأخير يوم 14 ديسمبر 2016.
وفي نفس هذا اليوم قامت السلطة التنفيذية بالاجراء الاخر الراجع لها وهو اداء اليمين الدستورية امام رئيس الجمهورية.
• يبدو انّ هنالك تجاذبات وشقوق بين اعضاء المجلس، ما مدى تأثير ذلك على مسألة الوصول الى حلّ توافقي انّ صحّ التعبير ؟
نعم هنالك فريقان يتكون الاول من الهيئة الوقتية للقضاء العدلي وجمعية القضاة التونسيين ويتمسك إجمالا بأنه لا مجال لانطلاق أعمال المجلس الأعلى للقضاء دون سدّ اربعة شغورات في رايه وكلّها تشكّل عضوية بالصفة في المجلس (الرئيس الاول لمحكمة التعقيب ووكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب والرئيس الاول لمحكمة الاستئناف ورئيس المحكمة العقارية) الى جانب ترشيحات اخرى (متفقد العام، وكيل الدولة العام مدير المصالح العدلية) ويضيف انه لم يسبق لرئاسة الحكومة ان رفضت هذه الترشيحات.
وانا اقول، في هذا الإطار، انّ سدّ الشغورات يحتاج الى توضيح، وذلك بصرف النظر عن رأي أراه وجيها يتمثل في اعتبار انّ مهام الهيئة الوقتية انتهت بالتصريح بالنتائج وعندها تتحول الى هيئة تصريف أعمال لضمان الاستمرارية، فان هذه الشغورات مفتعلة لانّ يوم 14 نوفمبر 2016 كان هناك شغور وهو وكيل الدولة العام وذلك منذ غرة اوت 2016.
وبخصوص رفض رئاسة الحكومة هذه الترشيحات فقد قدّمت مغالطات، فهي لم تكن مقيدة بالترشيحات والصلاحية تحسم هنا بمفهوم الراي المطابق. وهو ما يعني الرأي الملزم بما معناه اقتسام القرار بين من يرشح ومن يوافق ويجوز لهذا الاخير ان يرفض على ان يتقدم الأول بترشيح ثان. بقي التذكير انّ هذا التطابق بين الهيئة الوقتية والجمعية امر منتظر لان الأعضاء القضاة بها هم من مناضلي الجمعية او من المقربين بها نتيجة مقاطعة النقابة للانتخابات المتعلقة بهيئة القضاء العدلي.
• وبخصوص الشقّ الثاني؟
الشقّ الثاني والأخير، وانا ضمنه، نرى انه يتعين ايجاد حلّ اقرب ما يكون للشرعية لغياب اي حلّ يتطابق مع الشرعية، ويتكون هذا الفريق من نقابة القضاة التونسيين واتحاد القضاة الماليين واتحاد القضاة الاداريين وجمعية القضاة الشبان، وهو يتمسك بضرورة انطلاق عمل المجلس الاعلى للقضاء. والأسانيد القانونية هي التالية:
المساهمة في انهاء المرحلة الانتقالية وخاصة ارساء المؤسسات الدستورية الدائمة
مراعاة النتائج الدستورية المترتبة عن مزيد تعطيل ارساء المجلس الاعلى للقضاء ومنها المحكمة الدستورية وما ورد بالفصل 148 من الدستور (الفقرة 2 مطة 3)
احتراما للمبدإ الدستوري غير المكتوب القائل باستمرارية الدولة وكذلك مبدإ استمرارية المرفق العام الوارد بالفصل 15 من الدستور
بما أنّ الدعوة في الغرض والواردة في الأحكام الانتقالية من قانون المجلس الأعلى للقضاء أضحت من باب الإجراء المستحيل (نظرية معمول بها في القانون الاداري تبيح الاعراض عن اجراء او شكلية لاستحالة احترامها)، وتاسيسا على الفصل 36 من نفس القانون والوارد في باب الاحكام الدائمة والمتضمنة انه يجوز لثلث الاعضاء الدعوة الى انعقاد المجلس، لا سيّما انّ صلاحية الدعوة في باب الاحكام الانتقالية اضمحلت قانونا لارتباطها بمدة زمنية محدودة وقد انتهت.
ومن يستطيع انّ يقدم طرحا قانونيا مركبا أكثر جودة وبناءا من طرحنا سأتبناه واتنازل عن موقفي.
• لو ناتي الى مسألة الشغورات، كيف تفسر لنا انّه رغم تسجيل 5 شغورات في مرحلة أولى الا اننا نجد 3 غيابات فقط اثناء اداء اليمين؟
بناء على كل هذا ارتأينا ومباشرة بعد اداء اليمين في قصر قرطاج والذي تمّ بحضور كامل الاعضاء عدا ثلاثة غيابات بمقتضى القانون (شغوران في القضاء العدلي والجامعي في القضاء المالي) اذ بدعوة من هو موضوع الترشيح او رفضه (رئيس محكمة الاستئناف المقترح من قبل الهيئة في خطة وكيل الدولة العام مدير المصالح العدلية التي تخرجه من المجلس وقعت دعوته لأداء اليمين مما يعني صراحة رفض مقترحات الترشيح الصادرة عن الهيئة الوقتية إعمالا بنظرية القرار المعاكس) ( نائب رئيس الهيئة الوقتية الذي يشغل خطة رئيس المحكمة العقارية وقع ترشيحه من قبل الهيئة الى خطة وكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب وقعت دعوته بخطته الاولى وليست الثانية)
ولانهاء مسالة الترشيحات اقول انها خارقة للقانون ( تغيير مكان العمل والترقية رغم الرفض الصريح للمتمتع بها، وخاصة الفصل 12 القانون المتعلق بالهيئة الوقتية. ضف الى ذلك انّ بعض المترشحين لا يتمتعون بالاستقلالية والحياد المطلوب في مثل هذه الخطط العليا (احدهم كان من منظمي المؤتمر الانقلابي لـ2005 واخر ممثل باحد الجهات لجمعية امهات تونس). اذا دعونا مباشرة بعد اليمين لاجتماع حيني بصفة غير رسمية كأعضاء وليس كمجلس وبكلّ الاعضاء لايجاد مخرج.
• ماهو تعليقكم على طلب توفير فضاء بقصر قرطاج لانعقاد اولى جلسات المجلس الاعلى؟
طلبنا من الرئاسة فضاء للاجتماع ولوحدنا وذلك بالاساس لغياب فضاء ومقرّ للمجلس، الا انّ بعض الاعضاء تحفظ لانّ المسألة تعدّ رمزيا مساسا باستقلالية القضاء ان اجتمع اعضاؤه بـمكان مخصص للسلطة التنفيذية، فدعونا بنفس الغرض الى الاجتماع في محكمة التعقيب، وقد حضر فيه عشية قرابة الـ30 قاضيا وتداولنا خاصة حول مقترح المخرج وبالأساس إعمال مبدأ الثلث كمصدر للدعوة. الا انّ جزءا هاما من الحاضرين طلب إرجاء الأمر إلى الغد اي يوم الخميس. من جهة لاستنفاد أجال الدعوة من قبل نائب الهيئة الوقتية الذي ينتهي ليلة 14 ديسمبر 2016 وتحديدا منتصف الليل، ومن جهة أخرى لمزيد البحث والتشاور والتوافق. فكان ذلك كذلك والتأمنا يوم الخميس الموافق لـ15 ديسمبر الجاري، بحضور أكثر من 30 عضوا، وبعد نقاشات طويلة واختـــــلافات واضحة تتلخص في
التوجهين المذكورين تمسكت والعديد من الزملاء بإعمال قاعدة الثلث في الدعوة وتمّ إمضاء هذه الدعوة من قبل 17 عضو(من بين قضاة عدليين وماليين واداريين ومحامين وخبراء وجامعيين) واكتفينا بهذا القدر لكفايته ليوم الثلاثاء المقبل الموافق لـ20 ديسمبر 2016 بمجلس المستشارين، طبقا للفصل 72 من القانون المتعلق بالمجلس الاعلى للقضاء بأن تضع الدولة الموارد الضرورية تحت تصرف المجلس.
وأذكر بانّ فكرة كانت مقتسمة ومشاعة بين اعضاء هذا الفريق وتتلخص في انه لا سبيل الى تصدير مشاكل الهيئة الوقتية ورئاسة الحكومة الى المجلس الجديد وبالتحديد وفي الواقع العلاقات الصدامية بين الجمعية والسلطة التنفيذية.
• هل ستخصص جلسة الثلاثاء لانتخاب رئيس المجلس ونائبه وتحديد الموقف تجاه منصب «الأستاذ الجامعي» الشاغر ؟
مبدئيا في اول اجتماع سيتم اعلان الشغور ودعوة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لفتح الترشح لهذه الخطة. كذلك ومراعاة لمطالب زملائنا في الهيئة الوقتية تمسكنا في اغلبيتنا بسدّ الشغورات في القضاء العدلي وتحديدا الاعضاء بالصفة وهما رئيس الاول لمحكمة التعقيب ووكيل الدولة العام بها قبل اي انتخاب في اربعة مناصب (رئيس المجلس الاعلى ونائبه وكذلك رئيس المجلس الاعلى للقضاء العدلي ونائبه) وان تطلب الامر اشغالها بصفة وقتية من قبل غيرهم. وفي المقابل يقع انتخاب نهائيا ما تبقى من المناصب (رئيس مجلس القضاء الإداري ونائبه والشأن نفسه بالنسبة للقضاء المالي).
• وفي صورة عدم حضور ثلثي اعضاء المجلس؟
ان غاب هذا النصاب المستوجب قانونا وهو 30 عضوا فاننا سندعو طبق ما يقتضيه الفصل 36 من نفس القانون الى جلسة اخرى ونهائية في اجل بين 3 و10 ايام ويكون النصاب عندها لا يقل عن النصف اي 23 عضوا.
وان فشـــــلنا فسنعاين ذلك بطريقة شفافـة وديمقراطية وسندعو كامـــــل الاطــراف المعنية لايجاد حلّ وهي الشقّ المخالف لنا في المجلس وبعبارة واضحة الجمعية لا غير وكذلك السلطة التنفيذية برأسيها وحتى البرلمان.
• ما حقيقة ما يتم تداوله حول انتخاب احمد صواب رئيسا للمجلس الأعلى للقضاء وترجيح كفته؟
اقولها بصفة مباشرة وصريحة اني سأحال على التقاعد يوم غرة مارس 2017 بقوة القانون ، ولن اطلب اي تمديد رغم الحاح بعض الاطراف وعديد الزملاء ايمانا مني بمبدإ أساسي يتمثل في انّ كلّ قاض طلب صراحة وكتابة بذلك من السلطة التنفيذية يفقده بالضرورة استقلاليته وحياده. كما اعلن اني لن اترشح لاي خطة من الخطط الثماني (اربع رؤساء واربع نواب)، فحلمي هو ارساء مجلس اعلى للقضاء وتفعيله وكذلك الشأن بالنسبة للمحكمة الدستورية قبل إحالتي على المعاش وهذا يلخص ايديولوجيتي وهي دولة القانون.
واختم واقول اننا يجب ان نرسي تقليد التداول في المناصب وبين الاجيال فمن ناضل قبل الثورة يجب وبعد استنفاد رصيدهم بعدها ان يتركوا المجال للقضاة من الشبان. كما يتعين التذكير ان المجلس الاعلى للقضاء اضحى ملكا لا للقضاة فقط بل لشركائنا فيه من محامين وجامعيين وخبراء وعدول.