المؤكد هو أن آفة الفساد قد استشرت بكافة القطاعات تقريبا وفق ما جاء في تقرير اللجنة الوطنية للتقصي حول الرشوة والفساد الصادر في نوفمبر 2011 وهو تقرير تكشف فيها ولأول مرة عديد الحقائق بتفاصيلها الممكنة حول ملفات رشوة وفساد لتستلم فيما بعد الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد المشعل بهدف مواصلة المشوار الذي يبدو أنه طويل أمام شوقي الطبيب ويتطلب مجهودا جماعيا بتداخل جميع الأطراف وكذلك بتوفر الأرضية اللازمة من تشريعات واستراتيجية عمل واضحة. فما هو المتوفر على ارض الواقع اليوم وهل ما تم تحقيقه يذكر فيشكر أم مجرد ذر رماد عن العيون؟ «المغرب» فتحت الملف.
وللتذكير فإن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تعاني عديد النقائص التي حالت دون القيام بالمهمة الموكولة إليها على أكمل وجه خاصة وأن المعركة ليست بالسهلة في ظل وجود من ليس من مصلحتهم فتح تلك الملفات وكشف الحقائق.
أكثر من 12 ألف ملف رشوة وفساد
خمس سنوات مرت على اندلاع ثورة 14 جانفي والتي كان يأمل من خلالها الشعب التونسي بناء تونس الجديدة وذلك بمقاومة الفساد وتحديد المسؤوليات ومحاسبة المفسدين الذين نخروا البلاد ونهبوا أموالها وممتلكاتها دون أي حسيب أو رقيب ولكن يبدو أن الآمال بدأت تندثر شيئا فشيئا ولم يبق منها إلا صورا وشعارات لأنه بالعودة إلى لغة الأرقام المتعلقة بالكم الهائل من ملفات الفساد التي أودعت لدى لجنة تقصي الحقائق والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد منذ 2011 والى اليوم فقد بلغت أكثر من 12 ألف و500 ملف ولكن عدد الملفات المحالة على القضاء هو ، 120 ملفا بالإضافة إلى أكثر من 1200 قضية رشوة وفساد منشورة لدى القضاء لم يتم البت سوى في 10 % فقط من الملفات المحالة من قبل لجنة المرحوم عبد الفتاح عمر.السؤال المطروح هنا لماذا كل هذا البطء في فصل تلك الملفات؟ خاصة وأن رئيس الحكومة قد تعهد بأن الأولوية في حكومته هي مكافحة الفساد وفق ما تنص عليه وثيقة قرطاج. في هذا السياق علق محمد العيادي بصفته عضوا سابقا في لجنة تقصي الحقائق فقال «هناك تأخر كبير في فصل ملفات الرشوة والفساد التي أحالتها اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق فوفق الإحصائيات النسبة ضئيلة جدا وهو تأخر غير مفهوم ويطرح عدة تساؤلات كما علمت أن وزير العدل غازي الجريبي قد وجه مراسلة إلى رؤساء المحاكم ووكلاء الجمهورية لحثهم على ايلاء تلك الملفات الأهمية اللازمة والأولوية المطلقة» . ملفات عديدة لم ينفض عنها الغبار بعد ولم تفتح لمعرفة حقائقها المخفية منذ سنوات فأين ملف الوكالة التونسية للاتصال الخارجي؟ أين ملفات خوصصة المؤسسات الوطنية؟ أين ملفات الفساد البنكي؟ وغيرها من الملفات الثقيلة لم يتم فتحها بعد وتتعلق بوزراء سابقين و وبعائلة الرئيس السابق وأصهاره وموظفين عموميين .
تمت المصادقة على قانون القطب المالي فماذا بعد؟
للفوز بمعركة مكافحة الفساد يجب أن تكون الإرادة السياسية متوفرة لأنها هي بداية الخيط نحو وضع القطار على السكة الصحيحة فدونها ليس هناك نتيجة ويبدو أن هذه الإرادة غابت خلال الأربع سنوات الماضية على أمل أن توجد اليوم خاصة وان هناك بوادر من الحكومة الجديدة التي تعهدت بسن مشاريع قوانين تساعد على التصدي لهذه الآفة وإعطاء الأولوية لمشاريع القوانين الموجودة صلب اللجان وذلك في إطار ما أسمته استراتيجية مكافحة الفساد. كما يقال فإن أول الغيث قطرة فبعد انتظار طال أكثر من أربع سنوات تم مؤخرا المصادقة على مشروع قانون القطب القضائي المالي الذي يعتبر من بين العراقيل التي وجدت في طريق مقاومة الفساد ،فهل تشمر الجهات المتداخلة على سواعد الجد والإرادة......