إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بارتكاب "السلطات والقوات الأمنية والميليشيات المسلحة المجموعة واسعة من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في ليبيا'' ، وذلك في أحدث تقرير يرصد الإنتهاكات والتجاوزات الحاصلة في بلد عمر المختار الذي يعاني منذ عام 2011 من صراع بين فرقاء البلد الواحد .
وتعيش العاصمة الليبية طرابلس تعيش توترات وذلك على خلفية الصراع بين حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والحكومة المكلفة من مجلس النواب، برئاسة فتحي باشاغا. وقد أثرت مجمل هذه التوتّرات على الوضع الحقوقي والإنساني في البلاد في وقت طرحت فيه الأمم المتحدة برئاسة عبد الله باثيلي مبادرة لإجراء انتخابات في جوان المقبل بعد تأجيلها لمرات عدة نتيجة الخلافات بين الأطراف الليبية .
ويرى مراقبون أنّ الواقع الميداني والسياسي والقانوني والإنساني في ليبيا كان من بين ّأهم العراقيل والصعوبات التي أجلت الحل السياسي في ليبيا .. وذلك رغم أنّ الجهود المبذولة كانت حثيثة على الصعيدين الداخلي والخارجي ، إلاّ أنّ الداخل الليبي لا زال يشهد خلافات حادة وانقسامات وتشرذم قوي كانت كلها أحد أهم أسباب هذا التأجيل.
حقائق مفزعة
وقد نشرت بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا تقريرها النهائي أعربت فيه عن قلقها العميق إزاء تدهور حالة حقوق الإنسان في البلاد.وقد أظهرت التحقيقات التي أجرتها البعثة الجهود واسعة النطاق التي تبذلها السلطات لقمع الأصوات المعارضة من المجتمع المدني، وأعلنت انها "وثقت العديد من حالات الاعتقال التعسفي والقتل والاغتصاب والاسترقاق والقتل خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري، وفقا للتقرير".
وأشارت البعثة، التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان منتصف عام 2020، إلى "امتناع جميع الناجين الذين قابلتهم، تقريبا عن تقديم شكاوى رسمية خوفا من الانتقام والاعتقال والابتزاز، ونظرا لانعدام الثقة في نظام العدالة".
وأفاد التقرير بـ"استهداف المهاجرين على وجه الخصوص، حيث تشير أدلة دامغة إلى تعرضهم للتعذيب المنهجي". وأوضح التقرير أن "هناك أسبابا معقولة للاعتقاد بارتكاب الاستعباد الجنسي- الذي يشكل جريمة ضد الإنسانية- ضد المهاجرين".
وشدد التقرير على أن الحكومة الليبية ملزمة بالتحقيق في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم في المناطق الخاضعة لسيطرتها وفقا للمعايير الدولية.كما يشير التقرير إلى استمرار "ممارسات وأنماط الانتهاكات الجسيمة دون انقطاع، ولا يوجد دليل يُذكَر على اتخاذ خطوات مُجدية للحد من هذا المسار المثير للقلق وإنصاف الضحايا". وفي هذا السياق الاستقطابي، تبقى الجماعات المسلحة المتورطة في مزاعم التعذيب والاحتجاز التعسفي والاتجار والعنف الجنسي خارج إطار المساءلة، وفقا للتقرير.
وذكر التقرير أن الهجمات ضد فئات معينة- ومنهم المدافعون عن حقوق الإنسان والنشطاء في مجال حقوق المرأة والصحفيون وجمعيات المجتمع المدني- ساهمت في "خلق جو من الخوف دفع الناس إلى ممارسة الرقابة الذاتية أو الاختباء أو الاغتراب .
"تعرض المهاجرين للاستعباد"
اضاف التقرير أن تهريب المهاجرين المستضعفين واستعبادهم وعملهم القسري وسجنهم وابتزازهم يدرّ عائدات كبيرة على الأفراد والجماعات ومؤسسات الدولة، ويحفز على استمرار الانتهاكات.
وأفاد التقرير بوجود أسباب معقولة للاعتقاد بتعرض المهاجرين للاستعباد في مراكز احتجاز رسمية وفي "سجون سرية"، فضلا عن ارتكاب الاغتصاب الذي يشكل جريمة ضد الإنسانية. وتشير الأرقام الصادرة عن الحكومة إلى أن العدد الرسمي للمحتجزين يبلغ 18,523، في حين أن الأدلة التي جمعتها البعثة رجّحت أن يكون العدد الفعلي للأفراد المحتجزين تعسفيا أعلى من ذلك بكثير.
كما أشار التقرير إلى تعرض النساء للتمييز المنهجي في ليبيا، وقد تدهور وضعهنّ بشكل ملحوظ خلال السنوات الثلاث الماضية.ودعتْ البعثة مجلس حقوق الإنسان إلى إنشاء آلية تحقيق دولية مستقلة ومزودة بموارد كافية. كما دعت البعثة مفوضيةَ الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى إنشاء آلية منفصلة ومستقلة بولاية مستمرة لرصد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في ليبيا والإبلاغ عنها "في سبيل دعم جهود المصالحة الليبية ومساعدة السلطات الليبية على تحقيق العدالة الانتقالية والمساءلة".
هل تنجح المبادرة الأممية؟
ويتزامن التقرير الجديد مع ما أقاله عبد الله باثيلي رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا من أنه "إذا وُضعت خريطة طريق وقوانين انتخابية واضحة بحلول جوان المقبل، سيكون من الممكن بالنسبة لهم - الأطراف الليبية - بعد مناقشة لبضعة أسابيع، التوصل إلى اتفاق حول هذه القوانين الانتخابية".
وأثار المبعوث الدولي حفيظة الفاعلين السياسيين الليبيين عندما تحدث عن عجزهم عن التوصل لاتفاق في حين تعذر إجراء الانتخابات كما كان مقررًا في ديسمبر 2021 بسبب خلافات سياسية وتهديدات أمنية إضافة إلى عقبات قانونية.وقال باثيلي إن "الترتيبات المؤقتة المتعاقبة، والحكومات الانتقالية التي لا نهاية لها، والهيئات التشريعية التي انتهت ولايتها هي مصدر لعدم استقرار".
مبادرة باثيلي التي تحظى بدعم غربي خاصة من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، لم تجد إجماعا في ليبيا، ورفضتها موسكو عبر مندوبها في مجلس الأمن صراحة، حين أكد أن "لا حاجة للتسرع في إجراء الانتخابات الليبية" في ظل الأوضاع الراهنة.
وفي أول تعليق من الأطراف السياسية الفاعلة في ليبيا، أعلن عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية ومقرها طرابلس، دعمه لجهود المبعوث الدولي في تنظيم الانتخابات من خلال تغريدة على حسابه بموقع تويتر. وناشد الدبيبة "الليبيين بالتحلي بالإرادة القوية لإنهاء المراحل الانتقالية عبر انتخابات عادلة ونزيهة
وسبق أن فشلت ليبيا في الالتزام بمواعيد سابقة لإجراء الانتخابات ، في 2021 و2022 نتيجة عدّة عوامل مُعرقلة منها العوامل الداخلية ومنها الخارجية. فرغم الجهود المبذولة لإنجاح إجراء الاستحقاق الانتخابي في موعده الجديد يبدو أنّ التعقيدات والخلافات لازالت سيدة الموقف في الأزمة الليبيّة .
هذا الخلاف القائم حول مدى شرعية الحكومة الراهنة والتنازع بين حكومة الدبيبة وباشاغا من شأنه وفق مراقبين مزيد تأجيل الإنتخابات إلى موعد غير محدد لاحقا وسط تعالي الأصوات المنادية بضرورة إنقاذ البلاد.. لكن الخلاف ليس داخليا فحسب بل يمتد إلى الأطراف الفاعلة خارجيا والمؤثّرة في مسار الأزمة الليبية، إذ يرى متابعون أنّ الانتخابات في الوقت الراهن خطوة يصعب تحقيقها وسط شكوك وانتقادات وقلقا دولي من الصراع المستمر في ليبيا منذ عقود .
وتبرز للواجهة مخاوف محليّة وأخرى إقليمية ودولية من تداعيات التأجيل مرة ثانية وفي هذه المرة إلى موعد غير محدد وما يمكن أن يحمله ذلك من تأثير على الواقع الأمني المتدهور بطبعه في ليبيا، وسط أنباء عن إمكانية حدوث تصعيد عسكري قد يعيد البلاد إلى المربع الصفر خاصة في ظل الوضع الإنساني المتدهور في ليبيا.