الواقع وأن الحكم هو للميليشيات الإخوانية والتكفيرية التي تفعل ما تشاء دون رقيب أو حسيب.
لقد أقدمت الميليشيا المسيطرة على هذا السجن، أي الجماعة الليبية المقاتلة، وبحسب تقارير صادرة عن منظمات حقوقية، على تعذيب وقتل وحرق هؤلاء الضحايا المنتمين إلى النظام السابق عوض تنفيذ أحكام القضاء والإفراج عنهم. وقامت لاحقا بإلقاء هذه الجثث في الشوارع وفي أماكن متفرقة ضاربة بعرض الحائط كل المعايير الأخلاقية والدينية والإنسانية و ودون مراعاة للأعراف القبلية السائدة في ليبيا.
وتتهم جهات حقوقية ليبية، على غرار التجمع العالمي من أجل ليبيا موحدة و ديمقراطية الذي عقد ندوة بتونس بالتعاون مع مؤسسة محمد البراهمي للسلم والتضامن سلط خلالها الضوء على هذه المجزرة و لوح بالتحرك قضائيا لملاحقة المسؤولين عنها، المفتي الإخواني الصادق الغرياني بالوقوف وراءها بعد إصداره لفتوى تحرض على ضرورة استهداف المعتقلين المقضي بالإفراج عنهم وعدم الإذعان للقرارات القضائية.
في حين حاولت أطراف أخرى درء التهمة عن الغرياني معتبرة أن الجماعة الليبية المقاتلة والتي لها ارتباطات بأطراف تونسية فاعلة في المشهد السياسي، ويقع هذا المعتقل الكريه تحت سيطرتها، ليست بحاجة لفتاوى من أي طرف كان لكي ترتكب مجازرها، خاصة وأن التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان في هذا السجن هو أمر اعتيادي. فالمنظمات الحقوقية المحلية والدولية على غرار الهيومن رايتس ووتش تحفظ إسم هذا المعتقل عن ظهر قلب بالنظر إلى الشكاوى التي ترد إليها باستمرار عن الإنتهاكات الحاصلة داخله من نشطاء حقوق الإنسان والمدافعين عن القيم الكونية.
ففيه يعتقل البشر ويقبعون أشهرا وسنوات دون محاكمات، و فيه وفي معتقلات ليبية أخرى تنتهك الكرامة و تمارس أبشع أنواع التعذيب، ومن ذلك طبخ البشر في القدور الضخمة، ناهيك عن الإغتصاب والإعتداء بالفاحشة. أما العنف المفرط لنزع الإعترافات من المساجين الذين ينتمي أغلبهم إلى النظام السابق فهو أمر مألوف واعتيادي و بات لا يثير حفيظة الحقوقيين والأحرار في عالم يكيل بمكيالين.
وشهد هذا المعتقل البغيض، الذي سيخلد التاريخ ذكراه السيئة كأحد أهم الأماكن التي عرفت جانبا من معاناة الإنسانية على وجه البسيطة منذ نشأتها - شأنه شأن معتقل غولاغ السيبيري إبان الفترة الستالينية، وسجن غوانتانامو الأمريكي في جزيرة كوبا ومعتقل أبو غريب في العراق و معتقل جزيرة غوري في السينغال الذي تم فيه إيداع الأفارقة المخطوفين تمهيدا لاستعبادهم بعد ترحيلهم إلى العالم الجديد في إطار التجارة المثلثة، وغيرها - إضرابات عن الطعام و تمرد شهير في سنة 2013 تسبب فيه سوء المعاملة و طول أمد الإعتقال دون محاكمات، فتم إطلاق النار على المتمردين بصورة مباشرة و دون استعمال الغاز المسيل للدموع لأن الغاية من إيداع السجناء بهذا المعتقل هي بالأساس إزهاق الأرواح.
ووفقا لتقارير حقوقية أيضا فإن عددا لا بأس به من نزلاء السجن مصابون بأمراض خطيرة نتيجة للتعذيب و سوء المعاملة و الظروف القاسية والمهينة واللاإنسانية وغياب الرعاية الصحية. كما أن هناك حديثا عن حقن سجناء بأمراض خطيرة ومعدية على غرار السيدا، بعد أن طغت ظاهرة الإنتقام والتشفي والغلبة والثأر والإمعان في إذلال الآخر التي تميز مجتمعاتنا القبلية في أصولها من المحيط إلى الخليج.
ولا تتحمل الجهات الليبية التي ارتكبت هذه المذبحة المسؤولية لوحدها، فهنالك أطراف في دوائر القرار في بلدان الجوار ومنها تونس توالي هذه الجهات الإخوانية والتكفيرية في ليبيا وترتبط معها بعلاقات متينة ومسؤوليتها لا تقل عن مسؤولية هؤلاء ناهيك عن صمتها المخزي وعدم إدانتها لما حصل. وهناك أيضا أطراف خليجية معروفة تدعم هذه الميليشيات وتتحمل بدورها المسؤولية، ومعها تركيا، اللص المقنع الجديد لثروات ليبيا والعراق وسوريا. هذا بالاضافة الى رعاة «الربيع العبري» أو «الفوضى الخلاقة» في الضفة المقابلة للمتوسط و وراء المحيط، ومعهم المنتظم الأممي.
إن هذا الصمت الدولي المريب من «الغرب الديمقراطي» تجاه ما يحصل من انتهاكات لحقوق الإنسان في ليبيا شبيه بالصمت المألوف على جرائم الكيان الصهيوني، وليس له من تفسير سوى ان فجر ليبيا واخوان الصفا واهل القاعدة في بلداننا من المحيط الى الخليج يتمتعون بغطاء دولي باعتبارهم من خدم الأجندات.