المفكر والكاتب العراقي غسان العطية في حوار خاص لـ «المغرب»: فشل الإسلام السياسي بشقّيه السني والشيعي يفتح الباب واسعا لتقبل الخيار الوطني العابر للطائفية

غسان العطية مفكر وكاتب عراقي . معروف بمواقفه الرافضة للطائفية بين السنة و الشيعة ويرى أن توحدهم في مجال القومية هو الأفضل. هو خريج الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1963 ونال شهادة الدكتوراه من جامعة إدنبرة عام 1968 في العلوم السياسية ولديه عديد المؤلفات

والكتب في ما يتعلق بالقضايا الوطنية والعربية. في حديثه لـ « المغرب « يقدم العطية رؤية شاملة للوضع في العراق والمنطقة معتبرا ان الصراع اليوم في بلاده لم يعد شيعيا سنيا وانما بات صراعا بين الشيعة الاسلاميين أنفسهم وكذلك الحال بالنسبة للعرب السنة والأكراد، محملا الطائفية المسؤولية الكبرى عما يحصل في العراق . ويؤكد اننا اليوم نعيش نكبات جديدة بسبب فشل الانظمة العربية في توفير الديمقراطية والحريات والرخاء لشعوبها . وحذر من تقسيم المقسم وتجزيء المجزإ في عالمنا العربي .

• كيف تقرؤون المشهد اليوم في العراق وما اسباب الازمة الحالية؟
ان العراق على شفير الهاوية، وساحة للتدخل الاقليمي والدولي والبيت المنقسم على نفسه لا يقوى على الصمود.
هناك اسباب عديدة كلها تضافرت على تجذر الأزمة اولها ان الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 لم يسقط نظاما فحسب بل الدولة ومؤسساتها خاصة حل الجيش العراقي دون ان يملك رؤية للبديل. وتعامل الامريكان مع العراقيين من منطلق طائفي واثني مما كرس الانقسام الطائفي ومعه فتح الباب واسعا للفساد والمحسوبية. وحكومات التوافق كرست المحاصصة في كسب الغنائم وبالتالي ليس هناك من يحاسب على الفساد.

كما يتحمل النظام السابق مسؤولية حرمان العراق من معارضة وطنية تعيش على ارضه، فجعل المنفى او القبر هو الخيار الوحيد، ومعارضات المهجر حملت معها امراضها واطماعها وتبعيتها للاجئين.

والسبب الاخر هو حرمان العراق بسبب المحاصصة الحزبية والطائفية من العناصر العراقية الكفؤة الامر الذي ساعد على انحدار الخدمات وما زاد الطين بلة الاعتماد الكلي على النفط، وبانخفاضة اصبح العراق دولة فقيرة بعد ان كان احتياطيها يزيد عن مائة مليار دولار امريكي.

اصبح العراق الان دولة لا تستطيع ان توفر الامن لشعبها ولا الغذاء او الدواء او التعليم والنمو، وهي بذلك دولة فاشلة.
واخيرا وليس اخرا، استخدمت ايران العراق وانقسامه الطائفي ورقة في صراعها مع الدول الاقليمية الأخرى واستفادت من الانقسام الطائفي الاقليمي لتجعل من نفسها راعية لطائفة ضد أخرى بما كرس الانقسام الطائفي في العراق وكذلك الاثني.

• اذن كيف يمكن اعادة العراق الى سكة الديمقراطية؟
ان فشل الاحزاب والقوى الطائفية والاثنية الحاكمة في تقديم حل يرضي قواعدها فتح الباب واسعا للتغيير. فالشارع الكردي بات غير راضيا عن قياداته وكذلك حال الشارع العربي السني والعربي الشيعي، اما الاقليات الاخرى فبات مصيرها الانقراض والهجرة.
فاليوم الصراع لم يعد شيعيا - سنيا وانما بات صراعا بين الشيعة الاسلاميين أنفسهم وكذلك الحال بالنسبة للعرب السنة والأكراد. ان فشل الاسلام السياسي بشقيه السني والشيعي يفتح الباب واسعا لتقبل الخيار الوطني العابر للطائفية، واول بوادر استرجاع الصحة بروز تيار سياسي عراقي يتجاوز التسميات الطائفية والاثنية، فالمطلوب رقما سياسيا عراقيا اولا وليس يعرف بسنيته او شيعيته او اثنيته.

ان مهمة مثل هذا الرقم السياسي في غاية الصعوبة، لا بسبب العراقيين فحسب وانما التدخل الاقليمي وبالذات الايراني الذي جعل من نفسه وصيا على عرب العراق الشيعة.

ان وحدة عرب العراق احد اهم ادوات الانقاذ في العراق، ومع الاسف نسمع اليوم ان هناك شيعيا وسنيا وكرديا ولكن كلمة عربيي مغيبة من القاموس السياسي العراقي. وهنا اعتقد من مصلحة الدول العرب التعامل مع العراقيين كعراقيين اولا ، او كعرب وكرد وليس شيعة وسنة. ان مثل هذا التحول في النهج العربي بات ضرورة لتجاوز المأساة السورية.

ان العراق اليوم بحاجة الى ادارة كفؤه قبل كل شيء، بحاجة الى رفيق حريري عراقي وليس زعامات دينية او طائفية تتشارك الغنائم باسم الدين. فلا ديمقراطية في ظل الانقسام الطائفي، ولا ديمقراطية في ظل الفساد والتبعية السياسية للأجنبي.
استرجاع العراق عافيته يبدأ بالاقتصاد اولا سبيلا للاستقرار.

ان يقسم العراق ليس حلا فالطوفان العراقي يهدد كافة دول الجوار ومن هنا من مصلحة دول الجوار ان تراجع موقفها ولا تدفع بالعراق نحو حرب اهلية اخرى او تقسيم.

• ما مدى تموقع داعش اليوم في المشهد العراقي وهل وجد بيئة خصبة له؟
الفشل الامريكي في العراق وانقسامه الطائفي وضائقته الاقتصادية وفرت البيئة السياسية والاقتصادية لداعش، ومن يريد محاربة داعش عليه اولا ان يكسب عقول وقلوب ابناء العرب السنة في العراق فهم اولى واقدر على محاربة داعش، ومن يريد ان يحد من النفوذ الايراني في العراق عليه ان يكسب ود العرب الشيعة في العراق فهم اقدر على لجم النفوذ الايراني.
تنتهي داعش بوحدة العراقيين وسوف تبقى ببقاء الانقسام العراقي، فبالامس كانت القاعدة والان داعش وغدا باسم جديد. الحل في حكم مدني يعتمد المواطنة وليس الانتماء الطائفي او الاثني والا سيبقى العراق في حالة فوضى وتقسيم او ينتظر دكتاتورا جديدا.

• كيف يمكن مواجهة الارهاب وهل الجيش العراقي قادر على ذلك؟
محاربة الارهاب لا تتم بالسلاح فحسب، بل تتطلب فكرا بديلا، فالطائفية السياسية خدمت الارهاب فداعش تقدم نفسها مدافعا عن العرب السنة، ومن هنا الحاحة الى رقم سياسي عراقي يتجاوز الانقسام الشيعي السني الكردي قابلا للقسمة على كل المواطنيين.
وما زاد الطين بلة قيام مليشيات طائفية باسم محاربة داعش بدلا من اعادة هيكلية الجيش كمؤسسة وطنية غير حزبية او طائفية الامر الذي اخذ يخدم داعش.

• وهل ما زال هناك امل في عودة اللحمة الى الجيش العراقي؟
نعم يبقى الامل، فالجيش العراقي تأسس قبل قيام الدوله العراقية وليس هناك في تاريخ العراق الحديث حاكم من اصول عسكرية الا وكان عراقيا ونزيهاً، وقد لا يكون ديمقراطيا ولكنه ليس طائفيا او فاسداً.

• كيف يمكن القضاء على الطائفية؟
ليس من السهولة القضاء على الطائفية وسيبقى التأثير الطائفي قائما، ولكن المهم كيف يقلص الهامش الطائفي في العراق، الامر الذي يتطلب رقما سياسيا عابر للطائفية. ان فشل التيارات الطائفية يفتح الباب واسعا لمثل هذا التيار وتبقى المشكلة في قدرة العراقيين في التعاون كفريق بعيدا عن الزعامات الوهمية. ولأول مرة اشعر ان هناك استجابة واسعة لمثل هذا التيار ويبقى السؤال من الرموز يلتف حولها الشعب؟

• ماذا تقولون في ذكرى النكبة وهل بتنا نعيش نكبات اخرى؟
عشت شبابي على حلم ازالة اثار النكبة الفلسطينية ولكن اليوم اصبح الشرق العربي برمته في نكبة، احد اهم عوامل الفشل في التعامل مع القضية الفلسطينية هي قيادات الرعيل القومي العربي الثاني متمثلا في الناصرية والبعثيين والقوميين، ان هذا الرعيل جاء للحكم باسم استرجاع فلسطين وانتقد الرعيل العربي الاول امثال شكري القوتلي وفارس الخوري ورياض الصلح والملك عبد الله (الاردن) وبورقيبة بانهم اضاعوا نصف فلسطين واذا بهم يضيعوا كل فلسطين. واذا كان المشرق العربي بزعامة الرعيل القومي العربي الاول يعيش

هامشا من الحريات فانه بات في زمن الرعيل القومي العربي الثاني (البعث والناصرية والقوميين) يحرم من الحريات والنمو الاقتصادي.
الى اليوم لم يفهم القادة العرب دروس النكبة، وازدواجية خطابهم السياسي كرس النفاق وعدم الثقة بين الشعب والحكام.

وما كان باليد قبل عشرات السنين بات حلماً، رفضنا التقسيم عام 1948 لنتباكى عليه اليوم بعد اكثر من نصف قرن.

مطلوب صحوة عربية عقلانية تجعل من النمو الاقتصادي مهمتها الاولى، وبناء الدول القطرية السليمة خطوة للتضامن العربي، فحال العرب اليوم اشبه بما قاله الزعيم سعد زغلول جمع الاصفار لا يخلق الا صفرا.

• الى اين يسير برأيكم هذا الزلزال العربي؟
قبل مائة عام دشن اتفاق سايكس بيكو، واليوم بـــات المشرق العربي يطمح الى الحفاظ عمّا حققه ذلك الاتفاق، فالخوف ان يقســــــم المقسم، فسوريا تصبح اربع دول وكذلك العراق. ان ما نشاهده اليوم ادانة للزعامات السياسية التي فشلت في ادارة الحكم، ولكن الشعوب تبقى حية وولاّدة وهنا يذكر الشاعر التونسي ابو القاسم الشابي:

اذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115