العسكرية المشتركة خلال عملية تحرير مدينة «سرت» من تنظيم «داعش» الإرهابي.
قبل ذلك كان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية قد دعا لتشكيل مثل تلك القيادة المشتركة بوصفه يحمل صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية، وحذّر المجلس الرئاسي من تحويل ورقة الحرب على «داعش» لمسالة مساومات بين المجموعات المسلحة .
ما أقدم عليه المجلس الرئاسي استنكره بشدة رئيس مجلس النواب الداعم بقوة لعملية الكرامة بقيادة خليفة حفتر ، حيث أكد عقيلة صالح خلال بيان في الغرض صدر أمس ان المجلس الرئاسي يتصرف خارج نطاق اختصاصه الدستوري والقانوني ، بما ان صفة القيادة العليا للجيش هي من اختصاصات البرلمان سيما بعد تجميد المادة الثامنة التي تمنح المجلس هذه الصلاحية .
واتهم رئيس مجلس النواب بالانحياز الى تنظيم فجر ليبيا الذراع المسلح للإخوان المسلمين في طرابلس ومصراتة ، منددا بمساواة الجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر بفجر ليبيا الحافل سجلها بالعديد من الانتهاكات على حدّ تعبيره.
على الأرض تحتشد كتائب مصراتة بمنطقة الهيشة وأبو قرين غرب سرت ، بينما تتمركز اقرب قوة عسكرية تابعة للجيش الليبي بمنطقة القبة ومناطق أخرى باجدابيا ، كما تتمركز في المنطقة الفاصلة بين القبة ومدينة سرت أي مناطق الهلال النفطي ، أين تتواجد قوات حرس المنشات النفطية .يشار إلى أن قيادة حرس المنشات النفطية لم تعلن ولاءها لأي جهة إلى حدّ اللحظة، إذ اكتفى المتحدث الرسمي باسم الجهاز بالتصريح بمنع أي قوات عسكرية من العبور عبر الهلال النفطي إلا بعد موافقة غرفة عمليات حرس المنشات بالسّدرة.
تحالفات في الأفق
من جانبه كان الفريق خليفة حفتر وقبل انطلاق الحشد لتحرير سرت اجتمع مع كل من العقيد محمد نايل آمر الكتيبة 241 مشاة في الجنوب وقيادي من التبو ، حيث بحث الجانبان تعزيز جهود الجيش خلال معركة سرت المرتقبة ، وفيما يخص قبائل التبو الشرقية لم يصدر عنها سوى موقف قبيلة المغاربة الداعم لقوات حفتر دون تحفظ.
تنظيميا تبدو قوات حفتر اكثر جاهزية لخوض حرب سرت فهذه القوات وبشهادة الخبراء هي اقرب إلى الجيش النظام النظامي منه إلى المجموعات والميليشيات الغير ملتزمة بالقوانين والاوامر العسكرية.
كما يعول حفتر كثيرا على الخبرة التي اكتسبتها قواته بعد حرب بنغازي ضدّ الإرهاب على مدى العامين المنقضين ، فالذي جرى في المدينة وضواحيها لم يكن أبدا تلك الحرب التقليدية بل كانت اقرب إلى حرب الشوارع .
ونأتي للعتاد والعدة لنشير إلى وجود ما لا يقل عن 25 ألف عسكري صفتهم ما بين 3 و4 آلاف من عناصر الصاعقة زد على ذلك المئات من الشباب المتطوع دون التغافل عن المئات من منتسبي الجماعات السلفية هذا ما يتعلق بالعنصر البشري أما عن الأسلحة فيكتنفها غموض كبير بسبب التكتم الشديد على خلفية سريان حظر توريد السلاح غير أن ذلك لم يمنع حفتر ومجلس النواب الداعم له من إبرام صفقات شراء أسلحة من روسيا وغيرها بدعم مباشر من دول إقليمية لم تخف يوما وقوفها حيث أنه وخلال الأسبوع الفارط وصلت باخرة – الدمام- ميناء طبرق وعلى ظهرها ألف مدرعة في طريقها لقوات الفريق حفتر فيما يخص سلاح الجو الثابت وجود عديد أسراب للطائرات العمودية المقاتلة وعدد غير معلوم من طائرات الميلغ من طراز 21-22-23 ولدى قوات حفتر الجوية 4 قواعد جوية مثل مرتوبة، طبرق ونبينا..
هذا شرقا أما غربا فلدى جيش الكرامة قوات موالية غرب طرابلس وأساسا في قاعدة الوطية الجوية والزنتان وقد أعلنت مؤخرا أنها في انتظار تعليمات حفتر للتحرك نحو سرت لبدء الحرب على داعش.
على الطرف المقابل تقف قوات رئاسة أركان طرابلس والمكونة خاصة من كتائب مصراتة، الخمس، جنزور، الزاوية، غريات ومسلاتة. ولدى قوات رئاسة أركان طرابلس سلاح جوي يتفوق على ما هو تحت تصرف رئاسة أركان طبرق.
منطقيا تبدو القوى متوازنة بين الطرفين خلال الحرب على سرت لكن ما سوف يرجح الكفة لهذا الجانب أو ذاك هو حرس المنشآت النفطية معطى آخر على غاية من الأهمية وهو الذي تفطن إليه المجلس الرئاسي وهو تحول استعداد تلك الأطراف لمحاربة داعش للتنافس بينها لكسب ورقة تحرير مدينة سرت لغايات سياسية لفرض أمر واقع وتحقيق مكاسب.
ولتلافي الصدام بين الفجر والكرامة يتجه المجلس الرئاسي لإعلان قيادة مشتركة خطوة اعتبرها عدد من المراقبين غير واقعية لسبب بسيط وهو عمق الخلاف بين الشرق والغرب الليبي ووجود جراح غائرة يصعب تجاوز آثارها. ويبقى تخوف الليبيين من الزج بمنطقة الهلال النفطي في الصراع حول سرت وأحقية هذا الطرف أو ذاك بمقارعة الدواعش حيث تعتبر القبائل الشرقية موضوع النفط خطا احمر وفي حال شعرت تلك القبائل أن قوات رئاسة أركان طرابلس تخطط للسيطرة على حوض سرت النفطي والموانئ فإنها لن تتأخر في الدخول في الحرب.
من الرابح ومن الخاسر؟
في ظل هذه الخلافات والتخوفات والتحذيرات يمكن اعتبار أن الرابح الأكبر محليا هو تنظيم داعش الإرهابي الذي يسيطر عليه الإرباك وهو يتابع حشد القوات من الغرب والشرق لاقتحام اكبر قلاعه العسكرية ولمواجهة القادم عمد داعش لمنع العائلات من مغادرة المدينة بما يؤشر لعزم التنظيم الإرهابي اتخاذ المدنيين دروعا بشرية كما بادر الدواعش بنقل مخازن الأسلحة والذخيرة وغلق مخارج ومداخل المدينة.
ومع اتخاذ هذه الإجراءات يعول التنظيم بدرجة كبيرة على اندلاع صدام ومواجهات بين قوات الشرق والغرب على أرض سرت، فرضية يراها داعش قائمة بقوة سيما بعد تصريحات آمر كتيبة الحلبوص مصراتة التي أكد فيها عدم استعداد كتائب مصراتة التفريط في الهلال النفطي لأي طرف سواهم.
ومن المفارقات الغريبة أن جيش حفتر اختار اسم القرضابية 2 لتحرير سرت من تنظيم داعش الإرهابي وموقعة القرضابية الشهيرة والتي مرت أول أمس ذكراها المائة (29 أفريل 1915) حدثت فيها مواجهات بين الغزاة الإيطاليين وكانت ملحمة وبطولة من طرف الأجداد الليبيين لكن القرضابية 2 وكما توحي كل المؤشرات ستكون مواجهة بين أبناء الشعب الواحد. إلى ذلك يرى متابعون أن قوى خارجية لن تجد فرصة مواتية لدفع قواتها وإيجاد موطئ قدم في ليبيا ووضع اليد على ثروة النفط تحت مبرر حمايته ليس من الدواعش لكن من أبناء ليبيا، الكرامة والفجر ولمنع حدوث حرب أهلية قد تعصف بوحدة البلاد الترابية والاجتماعية علما بأن بريطانيا عبرت عن استعدادها لنشر قوات لحماية الهلال النفطي وأيضا إيطاليا بشيء من التحفظات.
المحصلة في حال وقوع صراع مسلح في سرت بين أكبر قوتين مسلحتين الفجر والكرامة فإن الخاسر الأكبر والأول والأخير هو الوطن والشعب ومشروع التسوية السياسية وذلك لعديد الأسباب أولها هشاشة الاتفاق السياسي مما سهل اختراقه والعبث ببنوده وتراخي بعثة الدعم للأمم المتحدة في فرض احترام الاتفاق ثاني الأسباب غياب الوعي السياسي لدى النخب الليبية وتعمد الفرقاء مواصلة العبث السياسي والتعامل بمنطق الغنائم والربح والخسارة مما غيب مظلة اسمها الوطن والمصلحة العليا.
ثالث الأسباب التدخلات الخارجية الفظيعة وارتباط الأطراف الداخلية بأجندات خارجية تراعي مصالح الآخر ولا مكان فيها لمصلحة ليبيا ونظرة المجتمع الدولي والقوى الكبرى على وجه التحديد كانت ومازالت على مر تاريخ ليبيا على أساس أنها دولة مترامية الأطراف كثيرة الثروات قليلة السكان تحيط بها ومن أغلب الجهات دول كثيفة السكان، قليلة الثروات يضاف لتلك النظرة والعوامل شبه انهيار أجهزة الدولة وتموقع الجماعات الإرهابية وعلى رأسها قطاع الرؤوس الدواعش. مآل خطير وصلت إليه ليبيا منح فيه المجتمع الدولي فرصة أخيرة للفرقاء الليبيين لتجاوز الأزمة لكن فوتوها وسيندمون يوما ما عن إهدارها والسؤال المطروح هل يمنح المجتمع الدولي فرصة ثانية في الوقت بدل الضائع أم أن الصبر قد نفد لدى دوائر اتخاذ القرار السياسي الغربية ليتم جر الفجر والكرامة للحرب حول النفط ومن ثمة يتدخل الغرب عسكريا لفك الاشتباكات ووضع اليد على أهم مورد اقتصادي في ليبيا؟
سيناريوهات قائمة لا أفضلية لإحداها على الآخر يقف وسطها المجلس الرئاسي وحكومته كالباحث عن إبرة وسط كوم من التبن.