إلا أن المستشار عقيلة صالح نفى أن يكون قد حصل شيء مما ذكرته بعض وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي. مشيرا إلى أن جلسة منح الثقة للحكومة لا بد أن تسبقها جلسة برلمانية بالنصاب القانوني من أجل تضمين الاتفاق السياسي بالإعلان الدستوري.
وكان رئيس البرلمان شكل لجنة تتكون من حوالي 13 نائبا وكلفها بالتحول إلى طرابلس للقاء وفد من المؤتمر الوطني لدراسة إيجاد بديل للحكومة وحل المجلس الرئاسي. خطوة اعتبرها المراقبون من شأنها تعقيد المشهد. من جانبهم أكد مشايخ وعمداء المناطق الشرقية، إقليم برقة، مطلبهم بحل المجلس الرئاسي الحالي وضرورة أن يكون المجلس برئيس ونائبين له فقط وليس بتسعة أعضاء مثلما هو عليه الآن. وأكد مشايخ وعمداء الشرق الليبي التزامهم بما جاء في المسودة الرابعة للاتفاق زمن المبعوث الدولي السابق برنار دينوليون.
يشار إلى أن مارتن كوبلر هو الذي أقرّ توسعة تركيبة المجلس الرئاسي بحثا عن ترضية أكبر عدد من المناطق والمدن ،ليضمن بالتالي نيل ثقة البرلمان غير أن كوبلر خاب أمله عندما شاهد مجموعة قليلة من النواب يمنعون البرلمان من عقد جلسة المصادقة بحجة عدم تمثيل مناطقهم سواء صلب المجلس الرئاسي أو الحكومة المقترحة. وأيقن مارتن كوبلر أن خيار الجهوية والترضيات ليس له حدود ومهما توسع المجلس الرئاسي أو الحكومة فلن يتم تلبية المطالب. ولتجاوز هذه العقبة يبدو أن النوايا تتجه إلى العودة إلى المسودة الرابعة من الاتفاق على أن يحتفظ أحمد معيتيق بمنصبه كنائب أول لرئيس المجلس الرئاسي ويكون النائب الثاني من برقة. صحيح أن هذا الفرج يمثل خطوة إلى الوراء وعملية ضبط التركيبة الجديدة للمجلس الرئاسي مؤكد وأنها تتطلب بعض الوقت لكن يعلم الجميع أن الخيارات محدودة وضيقة ولربما أصبحت منعدمة أمام البعثة الأممية لتنفيذ الاتفاق السياسي الحالي.
من الجانب السياسي سوف تتوسع شريحة ودائرة المطالبين بإيجاد بديل يأتي من خلال تفعيل الحوار الليبي – الليبي والاستغناء كليا عن الوساطة الخارجية. خطوة تجعل حلفاء حفتر يشعرون داخل البرلمان أنه بإمكانهم فعل الكثير سياسيا على أقليتهم ، لذلك سوف يتواصل رفضهم لأي خطوة أو قرار داخل البرلمان يكون ضد القائد العام للجيش الجنرال خليفة حفتر.أما عسكريا فمن المؤكد وأن الانتصارات الميدانية لقوات حفتر سواء في بنغازي أو أجدابيا قد قوّت موقف داعمي حفتر في البرلمان. ويرى خبراء عسكريون أن القائد العام للجيش التابع لرئاسة أركان مجلس النواب ربما خطط خلال قادم الأيام لإنجاز عمليات ولو محدودة على التنظيم الإرهابي داعش في سرت أو تحرير بلدة بن جواد المتاخمة للهلال النفطي والهدف من ذلك ربح المزيد من الأوراق وتعزيز موقف من يسانده في البرلمان علما وأن حفتر في حال ضمان تحالف قوات حرس المنشآت النفطية معه بإمكانه تحرير بن جواد من الوجود الداعشي.
مخاض عسير
أن رئيس الحكومة المكلف فشل في تمرير حكومة الوفاق في نسختها الأولى حيث رفضها مجلس النواب ومنحه مهلة بعشرة أيام. لم يقدر السراج على التقيد بالمهلة وطلب التمديد وقد استجاب البرلمان بعد سلسلة من المشاورات والخلافات داخل المجلس الرئاسي وجاء السراج ومعه التشكيلة الجديدة لكن اصطدم مرة أخرى بلاءات البرلمان وأيضا عدم حصول النصاب القانوني لعقد الجلسة إذ نجحت الأقلية الرافضة في عرقلة منح حكومة الوفاق بطاقة الميلاد الرسمية.
كل هذا لم يجعل السراج يرمي المنديل ، فكان تحوله إلى مصر على الأقل في 6 زيارات طالبا تدخل القاهرة وطمعا في ممارستها ضغطا على رئاسة البرلمان والجنرال حفتر. حلفاء حفتر ورغم أقليتهم فإنهم نجحوا في عرقلة التسوية السياسية وعلى رأس هؤلاء الحلفاء نجد عضو المجلس الرئاسي علي القطراني المعلق لعضويته بالمجلس الرئاسي والذي أقسم بأن لا تحصل الحكومة على المصادقة ما لم يتم الاستغناء عن الوزير المعين بحقيبة الدفاع المهدي البرغثي وما لم يجر ضمان بقاء حفتر بمنصبه. علما وأن الجنرال حفتر كان قد أثنى على موقف القطراني لدى حضوره اجتماع أعيان ومشايخ إقليم برقة شهر جانفي الماضي.
ويرى متابعون للأزمة الليبية أن سيطرة الأقلية سواء في طرابلس أو في طبرق على المؤتمر ومجلس النواب سوف تقود البلاد إلى التقسيم لا محالة ويكون السبب المباشر لإيجاد حالة من الفراغ يبحث عنها تنظيم داعش الإرهابي وقد عثر عليها في الحالة الليبية الراهنة واستغلها كما يجب ووجد فيها خير تعويض لتراجعه في سوريا والعراق مع امتيازات إضافية توفرت له في ليبيا – الثروات النفطية، تدفّق المقاتلين من كل حدب وصوب وممن لا يشترطون رواتب مرتفعة، سواحل قريبة من أوروبا، ازدهار قطاع التهريب.. ويجمع خبراء ومهتمون بالجماعات الإرهابية أن الهدف هو بسط السيطرة على أطول مساحة من السواحل الليبية وربما كان ظهور داعش الارهابي في صبراتة غرب طرابلس أحد مؤشرات السعي إلى ذلك الهدف.
وفد من برلمان طبرق في طرابلس
في الاثناء حل اول أمس الثلاثاء بمطار معيتيقة المدني- العسكري، وفد من نواب برلمان طبرق يتكون من 18 برلمانيا لتفعيل ما يسمى بالحوار الليبي – الليبي من خلال عقد لقاء مع المؤتمر الوطني العام. حوار شهد ولأول مرة لقاء ثنائيا بين عقيلة صالح رئيس البرلمان المعترف به دوليا والنوري بوسهمين رئيس المؤتمر الوطني في مالطا حيث جرى الاتفاق على إيجاد بديل للاتفاق السياسي الموقع برعاية الأمم المتحدة وفي نفس الإطار كان لقاء طرابلس اول أمس الثلاثاء خطوة اعتبرها عضو المجلس الرئاسي فتحي المجبري ومقرر المجلس بمثابة الانقلاب على المسار السياسي ووصف لقاء اول أمس بالصفقة المشبوهة بين المعرقلين للحكومة القادمة.
يشار إلى أن مبادرة الحوار الليبي – الليبي وعكس مبادرة الأمم المتحدة تلقى دعما من المجلس الأعلى لأعيان القبائل والمدن التي عارضت منذ البداية وجود حوار بين الفرقاء خارج ليبيا وبرعاية خارجية فكان رفض ممثلي تلك القبائل حضور أي اجتماع خارج البلاد مثل ملتقى القبائل الذي جرى في مصر منتصف 2015. وكانت مبادرة الحوار الليبي – الليبي أيضا شهدت عقد لقاءات بين ضباط من عملية الكرامة وفجر ليبيا وعمداء البلديات ورافق تلك الجلسات تكتم وسرية كبيران.
والسؤال المطروح بعد تجدد اللقاءات بين الداعمين لمسار وخيار الحوار الليبي الليبي والذي يهدف إلى إيجاد البديل للمجلس الرئاسي الذي بإسقاطه تنهار العملية السياسية برمتها والاتجاه لتشكيل حكومة توافق موسعة وبموافقة المؤتمر الوطني والبرلمان المعترف به دوليا هو: ما هو موقف المجتمع الدولي من هذا الانقلاب السياسي؟ وإلى أي مدى يمكن لمعرقلي حكومة الوفاق أن ينجحوا في فرض موقفهم.
بقطع النظر عن الإجابة على جملة الاستفهامات المطروحة فإن ما يمكن استخلاصه هو أن الأغلبية الساحقة في الداخل والخارج الليبي تأبى بلوغ الحل النهائي للأزمة فكلما اقترب هذا الحل يعمل طرف من الأطراف على إعادة المسألة إلى المربع الأول فلا يتصور عاقل الآن أن المجتمع الدولي ومجلس الأمن سوف يسمحان لأطراف وُصفت بالمعرقلة للحل السياسي بمزيد من العبث والعربدة السياسية.