يوم 17 أوت، قامت السلطات بايداع 40 ألف مواطن السجن و إيقاف 20 ألفا آخرين فيما عزلت الإدارة 5 آلاف موظف و أوقفت أكثر من 76 ألفا عن العمل . في هذه الظروف بدأت مقاومة الإستبداد تتحرك ضد الإجراءات الحكومية . من ذلك أن أعلنت جمعية الناشرين الأتراك في بيان لها رفضها «التضييق على حرية التعبير» ومطالبتها بـ«احترام حرية التعبير للكتاب و الناشرين».
و كانت السلطات التركية قد أغلقت، منذ 15 جويلية، 29 دار نشر و حجزت ممتلكاتها وأرصدتها وحولتها الى خزينة الدولة. وأعلنت جمعية الناشرين الأتراك أن السلطات أغلقت 16 تلفزيونا و 23 محطة راديو و 45 صحيفة و 15 مجلة دورية معبرة عن «رفض التهديدات ضد الديمقراطية(...) الديمقراطية البرلمانية تندد بمحاولة الإنقلاب و بقتل المواطنين الصامدين».
و أضافت المنظمة أن «الضرر» سوف يلحق «الكتاب الذين نشروا كتبهم في هذه الدور وكذلك المترجمين». و أشارت إلى استحالة تمتع الكتاب بحقوقهم في النشر إذا ما تواصل غلق دور النشر مما يهدد حرية التعبير و الرأي. وطالبت الجمعية بمساندة المجتمع المدني الذي طالته يد الإستبداد من صحفيين و جامعيين و باحثين و أطباء.
قمع قبل الإنقلاب
إن تطورت عملية قمع المعارضين بتهمة «القضاء على الإرهاب» مع محاولة الإرهاب فإنها سابقة للمحاولة و قد سجلت الجمعيات الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان عددا كبيرا من انتهاكات حقوق الإنسان منذ 2015. لكن القمع المسلط هذه الأسابيع يرمي، كما عبر عنه الوزير الأول التركي في حديث للتلفزيون يوم 18 أوت، إلى «القضاء على تنظيم «حزمة»» التابع لفتح الله غولان . فقامت السلطات الأمنية بغلق «35 مستشفى و 1061 مدرسة و 823 مبيتا جامعيا و1125 جمعية» حسب الوزير الأول يلديريم. و تعدى الغلق إلى المؤسسات الإقتصادية و النقابات التي يقدمها النظام للرأي العام، عبر القنوات الإعلامية التي يتحكم فيها، على أنها «تنظيمات إرهابية».
محاولة الإنقلاب جاءت كفرصة ذهبية لنظام أردوغان حتى يضفي على العمليات القمعية شرعية جديدة. ولم يخف على أحد أنها لم تكن موجودة عندما قام النظام الإسلامي المحافظ في أنقرة بقمع الجامعيين والباحثين وكذلك الصحفيين الأحرار والأكراد منذ بداية 2015 مع تزامن شن حرب دامية على المدن الكردية. بل أن كل تلك الإنتهاكات جاءت نتيجة تحول استراتيجية رجب طيب أردوغان عندما قرر التفرد بالسلطة و تغيير الدستور لفرض النظام الرئاسي.
أمام تفاقم القمع ضد الكتاب والناشرين والصحفيين والجامعيين والباحثين قامت بعض الجمعيات الدولية بحملة مضادة للتشهير بحملة القمع التركية. من ذلك أن أعلنت منظمة «مراسلون بلا حدود» عن تضامنها مع ممثلها في تركيا بعد اعتقاله من قبل الشرطة التركية. ونددت المنظمة الدولية للناشرين بالقمع المسلط على الناشرين في تركيا. كذلك تحركت الجمعية الدولية للكتاب «بان انترناشيونال» للتعبير عن رفضها انتهاكات حقوق الإنسان وطالبت السلطات التركية بالإفراج عن المعتقلين وإعادة فتح دور النشر ووسائل الإعلام التي تم غلقها.
لكن النظام التركي، الذي يحظى بدعم نقدي من الإتحاد الأوروبي ومن الولايات المتحدة الأمريكية يدخل في إطار محاربة داعش الارهابي في الشرق الأوسط، وجد طريقا للقضاء على «أعدائه» في الداخل وهم أنصار الداعية فتح الله غولان من جهة والمنظمات الكردية من جهة أخرى. وهي وضعية مؤهلة للاستمرار ما دام نظام أردوغان يشكل جزءا هاما من المعادلة الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط.