ويمثل هذا القرار صفعة قوية للاتحاد الاوروبي ويضع تساؤلات ملحة حول مصير التكتلات الاقليمية الاخرى مع بروز نوازع الانفصال لدى دول عديدة بشكل غير مسبوق .
اربعة اشهر من الحملات الدعائية التي لعبت على اثارة غرائز الانقسام والتوق الى الانفلات من “قيود الاتحاد الاوروبي” وازماته المتفاقمة والتخوف من ملف الهجرة وغيرها من المسائل ، دفعت قسما هاما من الناخبين للتصويت لصالح الانفصال . وقد كشفت نسب النتائج المتقاربة على عمق الهوة في المجتمع البريطاني نفسه بين مؤيد للخروج وداعم للبقاء ..الأمر الذي أدى قبل ايام الى طعن النائبة في مجلس العموم المؤيدة للبقاء في بلد يضم تعددية عرقية واثنية ونسبة هامة من المهاجرين .
التداعيات الداخلية والخارجية
يرى المحلل السياسي عبد الوهاب بدرخان المقيم في بريطانيا في حديثه لـ «المغرب» من لندن ان القرار الذي اتخذه البريطانيون هو صدمة ليس فقط لبريطانيا انما ايضا للاتحاد الاوروبي وستنعكس ايضا على مجمل العالم خصوصا في المجال الاقتصادي . ويتابع بدرخان حديثه بالقول :” التداعيات السياسية ليست واضحة. بريطانيا دخلت الآن نفقا قد يدوم لمدة سنوات فهناك مئات او الآلاف من الاتفاقات والمعاهدات التي وقعت خلال اربعين عاما ولا بد من الغائها وتعديلها وبنفس الوقت تعويضها بتشريعات محلية داخلية” . واعتبر
بدرخان ان هذا الخروج سيغير في ذهنية السياسات المتبعة من جانب الاتحاد الاوروبي نفسه في التعامل مع بريطانيا . ففي السابق كانت عضوا في الاتحاد أي حليفة والآن هي خارج التحالف وربما تتحول العلاقات الى تعامل مع دولة ثالثة كما يقال بمعنى ان الاتحاد ليس ملزما بمراعاتها او اعطائها اية امتيازات او استثناءات وبالتالي عليها ان تجد طريقها في الاقتصاد العالمي دون مرور عبر الاتحاد”. ويوضح محدثنا ان هذا الامر سينعكس على سياسات الدول التي ستحمي نفسها ايضا من ما يمكن ان تقدم عليه السياسة الامريكية من تسهيلات للاستثمارات ومن وسائل لاجتذاب الرأسمال اليها . اذ سيكون هناك تنافس وسباق وتحديات يومية . وعلى المستوى البريطاني فقد تراجع سعر صرف العملة البريطانية الى ادنى مستوى له منذ عام 1985 ..وبات معلوما ان العملة ستفقد بعضا من قيمتها وسيستمر سعر العملة بالانخفاض مع توقعات بارتفاع التضخم مما يعني ان الاسعار سترتفع وان حركة بيع العقارات و التجارة ستتأثر “ واستطرد بدرخان بان التغير لن يتم بين ليلة وضحاها وانما سيحصل تدريجيا “.
صعوبات اقتصادية
وعما اذا كانت المملكة المتحدة ستسير نحو كارثة اقتصادية مثلما توقع بعض الخبراء اوضح بدرخان :” ان البلاد الآن تسير نحو فترة صعوبات اقتصادية كبيرة ليست بالضرورة كارثة لان هذا الاقتصاد قوي في نهاية المطاف ولديه مقومات الصمود وما صوت من اجله البريطانيون -أي الخروج من الاتحاد- لن يحصدوا ايجابياته قبل مرور ثلاثة الى اربع سنوات على الاقل، لان عملية الخروج لن تتم بشكل كامل قبل مرور سنتين كحد اقصى . وخلال هذه الفترة سيكون الوضع غير واضح في الداخل لناحية الخيارات الاقتصادية طالما ان الاموال التي تدفعها بريطانيا من اجل عضويتها لن تتوفر في الخزينة لاستثمارها في قطاعات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية الا بعد مرور سنتين او اكثر، وهذه الفترة ستكون صعبة لان الحكومة لن تستطيع ان تفي بوعودها” . ولاحظ بدرخان وجود نقمة اجتماعية بدأت تتفاقم على الذين صوتوا لصالح الانفصال . وفي ما يخص ملف المهاجرين فاوضح ان هناك المزيد من القيود ستفرض على مسألة الهجرة وبيّن محدثنا ان هناك خلطا بين مسألة اللاجئين من افريقيا او الشرق الاوسط ، والعمال والطبقة العاملة المهاجرة من اوروبا الشرقية وهي دول اعضاء في الاتحاد الاوروبي وهؤلاء جميعهم يعملون ويدفعون الضرائب وليسوا خارج النظام . وقد قدموا لان السوق البريطانية تتسع لهم وبالتالي فان بريطانيا ستبادر الى تسهيل مغادرتهم بعد نتائج التصويت .
نهاية عصر التكتلات ؟
ان قرار الانفصال ستكون له تبعات وخيمة سياسيا واقتصاديا على الاتحاد الاوروبي الذي يعاني من ازمة دين في منطقة اليورو وهجرة جماعية غير مسبوقة من دول الحروب في الشرق الاوسط . وبحسب الارقام والتقارير فان الاتحاد سيفقد نحو سدس ناتجه الاقتصادي دفعة واحدة.اما سياسيا فان خروج دولة عضوة في مجلس الامن وتمتلك جيشا قويا لن يكون بالأمر الهين على الاوروبيين . واللافت هو بروز دعوات اخرى للاستفتاء على البقاء في الاتحاد الاوروبي من قبل بعض القادة والفاعلين السياسيين في اوروبا فقد دعت مارين لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية الفرنسي الى إجراء استفتاء مشابه في فرنسا واستبدلت الصورة التي كانت تضعها على حسابها على تويتر بصورة العلم البريطاني ومن جانبه طالب زعيم اليمين المتطرف في هولندا خيرت فيلدرز بإجراء استفتاء . والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هل بدأ عصر نهاية التكتلات الاقليمية ؟