جورجيا ميلوني أول امرأة على رأس الحكومة الإيطالية: صعود حركات فاشية إلى الحكم يدخل أوروبا في حالة حيرة وتذبذب

كلف الرئيس الإيطالي سرجيو متاريلا يوم الجمعة 21 أكتوبر جورجيا ميلوني، زعيمة حزب «الأخوة الايطاليون» الناجحة في انتخابات شهر سبتمبر برئاسة الحكومة.

وقد انطلقت ميلوني يوم السبت بعد أن حلفت اليمين الدستورية مع أعضاء الحكومة الجديدة في إدارة البلاد بمشاركة حزب الرابطة بقيادة ماتيو سالفيني وحزب «فورسا إيطاليا» بزعامة سلفيو برلسكوني.
وقد أصبحت جورجيا ميلوني، 45 سنة، أول امرأة في تاريخ إيطاليا تترأس مجلس الحكومة بعد أن حصلت في انتخابات 25 سبتمبر على نسبة 26 % من الأصوات وتمكنت من تشكيل أغلبية برلمانية مريحة مع سالفيني (8،8 %) وبرلوسكوني (8،1 %) في مجلس النواب وفي مجلس الشيوخ. وفرضت ميلوني توجهاتها الإستراتيجية على الحزبين بالرغم من الصعوبات في اختيار الشخصيات التي كلفت بالحقائب الوزارية. وكان الهدف الأساسي لرئيسة الحكومة إعطاء صورة «مقبولة» لدى الاتحاد الأوروبي باختيار شخصيات مساندة للمشروع الأوروبي في حقائب سيادية حساسة وبلورة خطاب سياسي مساند للحلف الأطلسي والمشروع الأوروبي ومعادي للحرب على أوكرانيا.
وبعد أن كانت الأحزاب الثلاث الحاكمة في سباق مع الأحزاب التقليدية من أجل السلطة لمدة عقود أصبحت اليوم تتنازع من داخل الائتلاف على التحكم في مسالك الحكم. والاتفاق على مجمل القضايا المطروحة على البلاد من أزمة اقتصادية ومالية وارتفاع أسعار المحروقات والتبعية للغاز الروسي وأزمة صحية بسبب جائحة كورونا ورهانات النمو الاقتصادي، وقضية المناخ وما يتبعها من تغييرات هيكلية وتدهور الطاقة الشرائية، فإن حزب الرابطة الذي كان يقود مرحلة مقاومة الأحزاب التقليدية وحزب برلوسكوني الذي قاد البلاد من قبل أصبحا اليوم في المرتبة الثانية مجبرين على التكيف مع قرارات وتوجهات جورجيا ميلوني.
تبعية للاتحاد الأوروبي
تبدأ جورجيا ميلوني مشوارها على رأس الحكومة في ظروف تشهد فيها البلاد حالة من الترقب بعد أن غادر ماريو دراغي الحكومة الذي عين لإخراج البلاد من أزمتها الخانقة. وترث ميلوني وضعا ماليا صعبا جعلها تلجأ لبروكسل من أجل التمتع بتمويلات قدرت بحوالي 200 مليار يورو بدأ استخدامها في تطوير القدرات الذاتية والشروع في إصلاحات جوهرية. وكانت رئيسة الحكومة الجديدة قد التقت مع ماريو دراغي، قبل تشكيل الحكومة، في اجتماع مطول اطلعت فيه على الوضع المالي والاقتصادي ورهانات المرحلة المقبلة. وهو ما يجعل الحكومة الجديدة تأخذ بجد الوضع الشائك الذي يربطها أكثر من قبل بالاتحاد الأوروبي الذي يعمل على انقاذ الاقتصاد الثالث في أوروبا. هذا الوضع سوف يحد من قدرة الثلاثي الحاكم الذي ينحدر في ثلثيه من الفكر الفاشي والذي عمل على «التطبيع» مع النظام الديمقراطي. لكن رغم تلوين الخطاب وبث صورة قد تكون معتدلة سياسيا فإن رئيسة المفوضية أورسيلا فان در لاين قد حذرت روما من مغبة «المس من قيم ومبادئ الإتحاد الأوروبي» بسبب الخطاب اليميني المتطرف الذي اعتمدته جورجيا ميلوني في السابق وتمسكها بالإرث الفاشي وهي التي التحقت بالحركة الفاشية في سن 15.
ولئن عبرت ميلوني عن غضبها من تصريحات فان در لاين الا انها عملت على تقديم تشكيلة حكومية رفيعة المستوى تراعي تخوفات بروكسل وتعطي ضمانات عبر تكليف رئيس البرلمان السابق أنطونيو طجاني بمنصبي وزارة الخارجية ونائب رئيس الحكومة وتعيين وزير اقتصاد قريب من بروكسل وعضو سابق في حكومة ماريو دراغي مع تكليف ماتيو سلفيني ، اليميني المتطرف، بحقيبتي البنية التحتية ونيابة رئاسة الحكومة في محاولة رسم توازن بين تطلعات الائتلاف الحكومي في تغيير الأشياء في إيطاليا والتزام باستراتيجية المؤسسات الأوروبية.
تحصين المؤسسات الدستورية
قبل تشكيل الحكومة، عملت جورجيا ميلوني على تحصين نفوذها عبر ضمان انتخاب شخصيات نافذه على رئاسة مجلس الشيوخ ومجلس النواب. وهما الركيزتان الأساسيتان للحكم في النظام البرلماني. ونجحت في فرض إينياسيو لا روسا، أحد زعماء حزب «الإخوة الإيطاليون» ومؤسسه مع جورجيا ميلوني، على رأس مجلس الشيوخ ليصبح ثاني شخصية دستورية بعد رئيس الدولة. وتركت رئاسة البرلمان للورنزو فونتانا عن حزب الرابطة المتطرف. وهو معروف بمواقفه المحافظة وبقره لروسيا.
وأربك ذلك الائتلاف الحكومي بسبب شعور برلوسكوني أن حلفا ما قد شكل بين الحزبين المتطرفين على حسابه. وهو ما جعله يصرح أنه «تصالح» مع فلاديمير بوتين في خطوة اعتبرتها الصحافة الإيطالية استفزازا لرئيسة الحكومة. لكن سرعان ما تغير موقف رئيس الحكومة الأسبق خشية أن ينفرط التحالف وعبر للصحافة عن «التزامه بالحلف الأطلسي وبالاتحاد الأوروبي». وهدئت الأمور بعد اللقاء الحاصل مع جورجيا ميلوني الذي أسفر على اتفاق على التشكيلة الحكومية تراعي التوازنات بين الأطراف المشاركة والتي تظهر في اسناد نيابة رئيس الحكومة لحزب «فورسا إيطاليا» مع الإبقاء على الوجه الراديكالي للمؤسسات المنتخبة. وصرح برلوسكوني بعد اللقاء أن رئيسة الحكومة طلبت منه أن يكون مستشارا لديها.
تشكيلة حكومية متوازنة
قررت جورجيا ميلوني تشكيل حكومة معتدلة الحجم حوالي 23 حقيبة تتوزع حول 8 لحزب «فراتيلي دي إيطاليا» و6 لحزب الرابطة ونفس العدد لحزب «فورسا إيطاليا» على أن يدخل الحكومة 3 وزراء تقنيين واثنين تابعين للوسط. وعمدت على تجديد التوازن الحكومي بإقرار منصبين لمساعدي رئيسة الحكومة بتكليف كل من ماتيو سالفيني وأنطونيو طاجاني وكل منهما ينتمي إلى حزب من الائتلاف الحكومي. وهي تركيبة اعتبرها بعض الخبراء في روما وليدة ذكاء حاد لجورجيا ميلوني التي تمكنت من فرض توازنات بين الأحزاب المتحالفة مع ضمان حلف أساسي مع الراديكاليين.
وأفرزت مفاوضات تشكيل الحكومة انتقاء شخصيات لها خبرة في العمل الحكومي وكفاءات سياسية مثل أنطونيو طاجاني ورئيسة مجلس الشيوخ السابق إليزابتا كازلاتي (حقيبة الإصلاحات) وكارلو نورديو (وزارة العدل) وروبرتو كالديرولي (الشؤون الجهوية). ويتمتع باقي الوزراء بخبرة في الميدان الحكومي والإداري. وتم اختيار جيانكارلو جيورجتي كوزير للإقتصاد وهو عضو في حزب الرابطة ولكنه كان أحد ركائز حكومة ماريو دراغي مما يعطي نوعا من الارتياح لبروكسل في مواصلة نفس النهج الإصلاحي. أما وزارة الداخلية فقد أسندت لوزير «تقني» كان يشغل منصب مدير ديوان ماتيو سالفيني. وهو موقع حساس في قضية مقاومة موجات الهجرة غير النظامية التي أحدثت شرخا في الحكومة الإئتلافية مع حركة 5نجوم والتي أفضت إلى استقالة ماتيو سالفيني من الوزارة. تعيين وزير تقني يبعد ملف الهجرة من المعركة السياسية والمزايدات الداخلية ويعطي الحكومة قدرة على مواصلة نفس النهج بدون ارباك التوازن الحكومي في صورة حصول أزمة حول موضوع الهجرة.
استراتيجية التطبيع
ملف الهجرة غير النظامية (200 ألف في 2022) لن يكون في مقدمة الملفات التي تطرحها رئبية الحكومة في الأسابيع الأولى, فهي تطمح إلى التطبيع مع بركسل والمجلس الأوروبي اللذين يريانها خصما شعبويا متطرفا. حتى وان عمدت إلى تعيين وزراء صلح لهم معرفة بأروقة المفوضية لتليين بعض المواقف. وسوف تكون الملفات المشتركة مع بروكسل (مساندة أوكرانيا والتنديد بالحرب الروسية على كييف، وملف الغاز الروسي، وقضية الإصلاحات الداخلية) أهم المسالك الدبلوماسية التي تفتح باب التطبيع.
وقالت جورجيا ميلوني، -التي واجهت بداية أزمة داخلية مع برلوسكوني- في خطوة مفاجئة لفرض نفوذه: «إن من لا يشاطرنا الالتزام بالحلف الأطلسي لا مكان له في الحكومة حتى وإن اقتضى الأمر عدم تشكيلها». وكان لذلك التصريح وقعه داخليا وخارجيا. لكن بالنسبة لصانعي القرار الجدد في روما يبقى من بين الملفات الحارقة ملف موجات الهجرة غير النظامية اليت تتخبط إيطاليا في إدارتها بدون اعانة البلدان الأوروبية بالرغم من اتفاق دبلين الذي يفرض على البلدان الأعضاء تقاسم العبء . وكانت جورجيا ميلوني قد صرحت خلال حملتها الانتخابية أنها تنوي فرض حصار بحري على بلدان الجنوب وفي مقدمتها تونس التي تعتبرها روما أحد ركائز موجات الهجرة غير النظامية. لكن مثل هذا القرار سوف يجد معارضة من قبل الإتحاد الأوروبي الذي يدير حراسة الحدود المشتركة عبر منظمة» فرونتاكس» ومن قبل تونس التي فتحت الأبواب أمام استثمار إيطاليا في اقتصادها والتي أصبحت شريكها الاقتصادي الأول. وسوف يؤثر الاتفاق مع الجزائر بخصوص شأن التزود بالغاز الطبيعي على موضوع حساس مثل فرض حصار بحري على المهاجرين لما لذلك من اشكال مع القوانين الدولية. كل المؤشرات الأولية تدل على أن جورجيا ميلوني سوف تركز في بداية ولايتها على التطبيع مع أوروبا أساسا مع الشروع في حوار مع البلدان المعنية في مسألة الهجرة التي هي من ركائز حزب الرابطة، حليفها في الحكومة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115