شهدت العلاقات بين سويسرا والإتحاد الأوروبي تطورات منذ أواخر القرن الماضي حيث أصبحت سويسرا في مرحلة أولى عضوا في الفضاء الاقتصادي الأوروبي مما سمح لها بالمشاركة في التبادل التجاري الحر . ثم قامت سويسرا عام 1992 بتقديم طلب في الانضمام إلى الإتحاد الأوروبي. و تم اثر ذلك تنظيم استفتاء شعبي أبطل هذا الطلب. لكن الحكومة الفدرالية السويسرية لم تسحبه منذ ذلك الحين. و يبقى لمجلس الدولة أن يتخذ القرار المناسب لهذا التصويت.
ودخلت سويسرا في خلاف عام 2014 مع المفوضية الأوروبية بعد أن صوت السويسريون في استفتاء شعبي فرض نسب على الأوروبيين الذين يرغبون في العمل في سويسرا وهو إجراء مخالف للاتفاقات مع أوروبا. و إن تبقى حرية التنقل بين سويسرا و الفضاء الأوروبي سارية المفعول فإن سيوسرا عازمة على فرض اختياراتها في استقبال العملة من المواطنين الأوروبيين خاصة أن حزب الإتحاد الديمقراطي المتطرف يرفض استقبال الشغالين من بلغاريا و رومانيا. وهو ما يحتم إعادة المفاوضات في اتفاق تنقل الأشخاص وهو ما ترفضه المفوضية الأوروبية.
البقاء في فضاء «شنغان»
منذ استفتاء 2005 الذي صادق على انضمام سويسرا إلى فضاء شنغان توالت الإجراءات لتنظيم العلاقة مع الإتحاد الأوروبي. فدخل الإتفاق حيز التنفيذ عام 2008 بنزع الجمارك و شرطة الحدود. لكن تم الإبقاء على مراقبة السلع بحكم أن سويسرا تراقب استيراد اللحوم والخمور خاصة. ثم انسحب الإتفاق عام 2009 على المطارات السويسرية.
والمعروف أن سويسرا غيورة على استقلالها و على الحفاظ على نظام حياتها. لذلك لم تكن مرتاحة لنفوذ المفوضية الأوروبية التي أصبحت مع الزمن قوة ضاربة في الإتحاد الأوروبي استحوذت على جل القرارات. الملف الثاني، غير المعلن، الذي عكر الأجواء يتعلق بالسر البنكي الذي يمكن البنوك السويسرية من التمتع بإيداعات الأوروبيين بكل حرية دون علم دولهم. لكن منذ أن فرضت الولايات المتحدة على سويسرا تقديم المعلومات على كل الأمريكيين الذين أودعوا أموالهم في البنوك السويسرية للتهرب من الضرائب، قامت بعض الدول الأوروبية ، وفي مقدمتها فرنسا، بطلب التعاون مع السلطات السويسرية في هذا الموضوع لكشف أسماء الهاربين من الضرائب. مما فضح النظام المالي السويسري وهدد مصالح البنوك التي تستقبل أموال أغنياء أوروبا.
لكن الأوضاع الأوروبية الحالية التي أضعفت سلطة المفوضية وأدخلت أوروبا في متاهات أزمة اللاجئين القادمين من الشرق جعلت الرأي العام السويسري يحترز أكثر من ذي قبل على انضمامه الى الإتحاد والخضوع لسلطة المفوضية الأوروبية. وذلك حفاظا على استقلالية القرار السويسري. مع تعاظم الأزمة وإعادة بعض الدول الشرقية تركيز حدودها الداخلية وفرض رقابة على المسافرين تعالت الأصوات في سويسرا للخروج من فضاء شنغان. لكن ذلك لن يحصل إلا في حالة تنظيم استفتاء شعبي جديد وهو ما لم يناد به أحد إلى حد اليوم.