مع العلم أن باريس تستعد لمغادرة باماكو مع نهاية الصيف الحالي في خطوة اعتبرها مراقبون فشلا غربيا في الساحل الإفريقي عامة على غرار سيناريو الفشل الأمريكي في أفغانستان.
وقد عاد الجدل للواجهة مجددا بعد فتح الرئيس إيمانويل ماكرون خلال خطاب العيد الوطني 14 جويلية ، للباب أمام تحول الوجود العسكري الفرنسي في إفريقيا إلى جهاز أكثر تكتما وأعلن عن إعادة تقييم لميزانية الجيوش لفترة 2030-2024 في ظل عودة الحرب في أوروبا. إذ تمثلت الرؤية التي طرحها ماكرون -الفائز بعهدة رئاسية ثانية على حساب منافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبان - في ضرورة اعتماد ما قال أنها «قوات أصغر حجما وأقل عرضة للخطر» في إفريقيا قائلا أنها «ضرورة إستراتيجية’’.
وأكد ماكرون على رغبته في «النجاح في بناء علاقة حميمة أقوى مع الجيوش الإفريقية على الأمد الطويل لإعادة بناء القدرة على التدريب هنا وهناك»، مع بقاء القوات الفرنسية في الصف الثاني كما تريد باريس إعداد جيوشها للنزاعات الحادة مثل الحرب التي تدور في أوكرانيا.
وقد أعلنت فرنسا في جوان 2021 عن انتهاء عملية «‘’ العسكرية لمكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي داعية إلى ضرورة تأسيس تحالف دولي أوسع لمجابهة آفة الإرهاب في القارة السمراء . وقد أحدث الإعلان الفرنسي انقساما لدى الرأي العام الدولي حيث اعتبر الخطوة إقرارا بالفشل الفرنسي في إفريقيا فيما اعتبرها آخرون بأنها سعي لإعادة ترتيب الأوراق وتكريس سياسة دولية مشتركة لمحاربة الإرهاب.
بين المطامع والحرب ضدّ الإرهاب
وقال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن عملية فرنسا ‘’لمكافحة الإرهاب’’ في غرب أفريقيا (برخان) ستنتهي، وستدمج في مهمة دولية أوسع، وأنه سيضع اللمسات النهائية لذلك بنهاية شهر جويلية الجاري.وتحدث ماكرون في مؤتمر صحفي في باريس، عن ‘’تغيير عميق’’ في الحضور العسكري لبلاده، وأعلن أن فرنسا بصدد تشكيل تحالف ‘’لمكافحة الجهاديين في الساحل الأفريقي’. وقال ‘’في نهاية المشاورات، سنبدأ تغييرا عميقا لوجودنا العسكري في منطقة الساحل’، معلنا عن انتهاء ‘’عملية برخان’’ بوصفها ‘’عملية خارجية’’، وتشكيل ‘’تحالف دولي يضم دول المنطقة’’.وتأتي هذه الخطوة التي تحدث عنها الرئيس الفرنسي ضمن الخطوات التي قال عام 2021 أنّها ستلي إنهاء عملية ‘’برخان’’.
وجاء قرار إنهاء عملية ‘’برخان’’ بعد أيام من انقلاب عسكري في مالي، وهو ثاني انقلاب خلال 9 أشهر. وقد علّق إثر ذلك مؤقتا العمليات المشتركة بين القوات الفرنسية والمالية إذ اعتبر تعليق عملية برخان فشلا فرنسيا غير مسبوق .
يشار إلى أن المجلس العسكري الحاكم منذ 2020 طرد الجيش الفرنسي كما احتج على وجود مجموعة ‘’فاغنر’’ شبه العسكرية الروسية في البلاد. ويعني مغادرة فرنسا لمالي نوعا من الفشل في القارة السمراء خاصة وان ذلك يعني تقليصا غير مسبوق لوجودها في منطقة الساحل الإفريقي الذي سيقتصر على 2500 جندي فقط ، بالتالي تراجعا لنفوذها هناك في وقت تشهد فيه المنطقة صراع بقاء ونفوذ.
هذا الخروج الفرنسي أربك على ما يبدو قصر الإيليزيه مما جعل الحكومة الفرنسية تبحث عن هيكلة جديدة وعن إستراتيجية حديثة لضمان بقائها في إفريقيا عبر مسميات أخرى حيث تحاول باريس التأكيد مرارا وتكرارا على عدم تخليها عن الحرب ضد الإرهاب في دول الساحل وخليج غينيا، مما جعلها وفق تقارير ووفق تصريح ماكرون الأخير تعلن عن إستعدادها لأشكال جديدة من التدخل.
كما أعلن الرئيس الفرنسي عن إعادة تقييم لاحتياجات الميزانية في مجال الدفاع عبر قانون جديد للبرمجة العسكرية (2030-2024) أكثر ملاءمة «لاحتمال عودة مواجهة أكثر حدة».وقال إن صياغة النص «يفترض أن تكتمل في نهاية هذا العام» ثم «يناقش مع البرلمان» في أوائل 2023.وكان ماكرون بدأ في 2017 إدخال زيادة حادة على اعتمادات الدفاع. وستسجل ميزانية الجيوش نموا أكبر في 2022 قبل أن يرتفع بمقدار ثلاثة مليارات في 2023 لتصل إلى 44 مليار يورو.