فضيحة «ملفات أوبر» تبرز بقوة شراسة الشركات الدولية الأمريكية: وقوع الرئيس الفرنسي في أخطبوط اللوبي الأمريكي؟

نشرت جريدة «الغارديان» البريطانية، صحبة المجمع الدولي للصحفيين الاستقصائيين، «ملفات أوبر» الشركة الأمريكية المختصة في تنقل الأشخاص وتقديم الخدمات

والتي تحتوي على مجموعة من المعلومات بعد أن تلقت الجريدة في ديسمبر 2021 من مارك ماك غان وهو مسؤول سابق عن أعمال اللوبي لصالح «أوبر»، 124 ألف وثيقة داخلية من سنة 2013 إلى عام 2017 وجملة من الملفات والبيانات التي استغرقت دراستها والتثبت من صحتها أشهرا طويلة قبل أخذ القرار بنشرها.
ونجحت أكثر من 42 وسيلة اعلام في العالم في نشر معلومات دقيقة واردة من الملفات التي أودعها الناشط ماك غان في خزائن «الغارديان» والتي تخص عددا كبيرا من البلدان كانت شركة «اوبر» تحاول الاستثمار فيها ودخول أسواقها. ورد المسؤول السابق عن أعمال اللوبي لصالح الشركة عن الانتقادات الموجهة له قائلا «كنت أحاول اقناع الحكومات والوزراء والرؤساء والسواق بطريقة كاذبة وغير عادلة». وأكد أنه لم «يضع أي حد للصحفيين في استخدام المعطيات التي بين أيديهم والتي تتحدث بمفردها» عن الفضيحة. وذكرت الصحف الاستقصائية أن شركة «أوبر» صرفت أموالا طائلة سنويا في هذا المجال وذكرت رقم 90 مليون يورو لسنة 2016 فقط من أجل تمويل حملات اللوبي لصالحها.
في أعماق شبكات اللوبي
وقد أشارت الوثائق المنشورة كليا أو جزئيا إلى أن عمليات نشطاء الشركة طالت 1850 «شخصية معنية» منها الموظفون والسياسيون ومجموعات التفكير والبرمجة في أكثر من ثلاثين بلدا في العالم. في كل هذه البلدان كان الهدف نسج علاقات دائمة مع أصحاب القرار من أجل تطويع القوانين المحلية لفائدة دخول خدمات «أوبر» لأسواق ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا وأيرلندا خاصة. ولا تزال التسريبات متواصلة في مسلسل من المقالات التي تحصي مجالات تدخل «اوبر» بالطرق القانونية وغير القانونية وعبر المسالك غير النظامية.
وورد في تقارير الصحفية ذكر أسماء لزعماء في العالم مثل إيمانويل ماكرون وبنيامين نتانياهو والوزير الأول الأيرلندي إندا كني وعدد من الأغنياء الروس القريبين من فلاديمير بوتن. وعملت «أوبر» على ضمان مستثمرين محليين، لا لآنها تحتاج لأموالهم بقدر ما ترغب في التمتع بمسالك معارفهم الواسعة. وهو ما سجل في فرنسا بفتح الشركة لمساهمة غزافيي نيل الملياردير صاحب شركة «فري» للاتصال والملياردير برنار أرنو.وعملت «أوبر» على تشغيل مساعدين للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما وهما جيم مسينا ودافيد بلوف اللذين تدخلا بنجاح لصالح الشركة في اسبانيا وألمانيا والهند ودولة الإمارات العربية المتحدة.
من التأثير إلى المغالطة إلى الرشوة
وورد في بعض التقارير أن شركة «أوبر» قامت، عبر تحركات اللوبي، بأعمال «رشوة» لصالح أصحاب القرار تمثلت في تنظيم لقاءات ومآدب عشاء وتسهيلات في كراء السيارات بدون مقابل. كما ورد أن الشركة عمدت إلى دفع مبالغ لبعض النافذين القريبين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتن من أجل الحصول على رخصة الدخول إلى السوق الروسية. وإضافة إلى هذه الوسيلة المحظورة قانونيا قام اللوبي التابع لشركة «أوبر» باستقطاب بعض المسؤولين باحتوائهم في الشركة من أجل التمتع بسجلاتهم وعلاقاتهم العامة داخل مجتمعاتهم من أجل تسهيل أعمال الشركة.
ورصدت الصحف، وعلى رأسها «الغارديان»، حالات واضحة من العمليات الموجهة للخروج عن إطار القانون وللتشجيع على سن قوانين جديدة تفكك النظم القديمة لصالح الشركة الأمريكية. ونشرت الصحف الفرنسية أجزاء من الملفات التي تظهر كيف حاول لوبي «أوبر» تسهيل عمليات تطوير القوانين في فرنسا حتى تتمكن الشركة من فرض طرق عمل جديدة لا تراعي مصالح العملة. وذهبت «أوبر» إلى منع المحققين العدليين من الولوج إلى معطيات الشركة بإدخال تنظيمات إلكترونية لا تمكن الباحثين من التثبت في المعطيات والقرارات الإدارية المسجلة على شبكة الكمبيوترات التابعة لها. وهي طريقة غير قانونية في فرنسا. وذكر ان هذا النظام قد تمّ استخدامه في 13 بلدا على الأقل من بنهما فرنسا.
ماكرون في مستنقع اللوبي الأمريكي؟
وإثر نشر جريدة «لوموند» الباريسية حصيلة الوثائق اندلعت أزمة تواصلية بين أقطاب المعارضة السياسية وبعض المسؤولين في الأغلبية الحاكمة بعد أن وجهت أصبع الإتهام للرئيس ماكرون متهمة إياه بالضلوع في «فضيحة دولة» بتسهيله دخول «أوبر» إلى فرنسا بعد أن التقى، بدون أن يذكر ذلك في سجل لقاءاته العمومي، بمسؤولي الشركة عام 2016 عندما كان وزير الاقتصاد في حكومة مانويل فالس الاشتراكية. واعتبرت كتل المعارضة في البرلمان الفرنسي أن ما قام به ماكرون يعتبر «فضيحة» وأن عليه أن يجيب على تساؤلات البرلمان.
ورد الرئيس ماكرون مباشرة معترفا بأنه التقى بالقائمين على الشركة قائلا «أنا فخور بما قمت به في خلق آلاف مواطن شغل». وأضاف «أنا فخور جدا خلق مواطن شغل بدون الشركات وأصحاب الأعمال عمل صعب جدا ، انا سوف أقوم به مجددا اليوم وغدا» من أجل بعث مواطن شغل إضافية. في نفس السياق أعلن الرئيس فرنسوا هولاند المعني بالخبر بأن «قصر الإليزيه لم يكن على علم» في ذلك الحين تاركا المسؤولية لساكن القصر الحالي. لكن بعض الوزراء أكدوا أن ملاقاة المستثمرين أمر طبيعي والحديث عن الانتفاع من ذلك لا صحة له.
في واقع الأمر، وافقت الحكومة الفرنسية على منح «أوبر» رخصة دخول السوق الفرنسية منذ 2014، أي قبل تولي ماكرون المسؤولية الوزارية، وبعد سن قانون «تيفنوه» الضابط للاستثمار في مجال النقل. لكن ذلك لا يبدو مهما بالنسبة للمعارضة السياسية التي تعمل على ارباك الولاية الثانية للرئيس ماكرون وتستغل أي فرصة للإطاحة بحكومته. وأعلنت بعض شخصيات المعارضة عن ضرورة تشكيل لجنة تحقيق برلمانية للتثبت في حقيقة عدم دعم اللوبي الأمريكي التابع لشركة «أوبر» للحملة الرئاسية لإمانويل ماكرون. لكن كل المؤشرات تدل على أن ذلك سوف يكون بمثابة الزوبعة في فنجان لعدم قدرة اللجنة على مساءلة الرئيس الذي يتمتع بالحصانة مدة ولايته الثانية. وهو ما يؤكد عبثية المعارضة السياسية في هذا الملف. لكن العمل الصحفي الذي نشر حقائق اللوبي الأمريكي أظهر الأساليب والقدرات المالية والسياسية، القانونية وغير القانونية التي يستعملها هذا الجهاز للتأثير على القرار السياسي في البلدان الديمقراطية. وهو في حد ذاته درس ثمين لمن يريد دعم استقلالية قراره.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115