وتأتي بعض الأرقام اللافتة المتعلّقة بالجريمة في الولايات المتحدة، إذ أظهرت أحدث بيانات مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) أنّ الولايات المتحدة سجّلت أكثر من 21 ألف و500 جريمة قتل في 2020، أو ما يعادل 59 جريمة في اليوم، ويمثّل هذا الرقم زيادة بنسبة 30 في المائة مقارنة بالعام الذي سبقه وأكبر زيادة سنوية منذ بدء تسجيل الأرقام الفدرالية.
إن هذا مدعاة للقول أن أمريكا لم تعد آمنة وأن حياة المدنيين فيها صارت معرضة للخطر وان الخوف صار جزءا من حياتهم، وهذا ما أكده زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل الذي قال : «بعد عام من إراقة دماء غير مسبوقة في شوارع أمريكية، ترغم الجرائم العنيفة كثيرين على العيش في خوف». لقد ارتفع معدّل جرائم القتل في الولايات المتحدة في 2020 إلى 6.5 لكل 100 ألف شخص، وهو معدّل يفوق بكثير ما يسجَّل في دول غنية أخرى، وتظهر الأرقام أنّ معدّل جرائم القتل يبلغ واحدة لكل 100 ألف في فرنسا وألمانيا وأستراليا، فيما يبلغ المعدل في كندا اثنتين لكل 100 ألف ، وهذا يجعل معدلات القتل في امريكا أعلى بست مرات بالمقارنة.
لا تتضمّن جميع سجّلات الشرطة معلومات عن إثنية الضحايا، لكنّ بناءً على الحالات الواردة لمكتب FBI في 2020، طالت 10 آلاف جريمة قتل تقريباً أمريكيين سود، أو ما يوازي حوالي نصف جرائم القتل، ويمثّل الأمريكيون السود 12 في المائة فقط من عدد السكان، لذا فإنّ معدّل جرائم القتل التي تطالهم أعلى بحوالي أربع مرات في حال توزيع الوفيات بشكل متساوٍ، فقد سجلت شيكاغو، ثالث أكبر المدن الأمريكية، أكبر عدد من جرائم القتل العام الماضي بلغ 836 جريمة، لكنّ أعلى معدّل سُجِّلَ في ممفيس بولاية تنيسي الجنوبية مع ألفين و352 جريمة قتل لكل 100 ألف مواطن.
المذهل هو بيع 43 مليون قطعة سلاح في سنتين حيث تُرتَكب ثلاثة أرباع جرائم القتل في الولايات المتحدة بأسلحة نارية فيما تستمر مبيعات المسدسات والبنادق وسواها من الأسلحة النارية في الارتفاع، فقد بيعت أكثر من 23 مليون قطعة سلاح في 2020، وهو عدد قياسي، وأكثر من 20 مليون قطعة في 2021، وفق بيانات جمعها موقع (Small Arms Analytics)، ولا يشمل هذا الرقم الأسلحة «الشبح» التي تباع قطعاً منفصلة وتخلو من الأرقام المتسلسلة وتلقى رواجاً في أوساط الجريمة، الملفت للإنتباه في هذا الأمر أن هناك عدة مصانع للسلاح الناري تعتمد على بيع منتجاتها سنويا للمواطنين الأمريكان.
وبالنظر إلى حجم الجرائم المتزايد في أمريكا وأعداد القتلى من الأبرياء ، بدأت تظهر بعض الأصوات في أمريكا مطالبة بتعديل قانون حيازة السلاح ومن بينها صوت الرئيس الأمريكي بايدن نفسه، الذي أعلن أنه وراء الفكرة منذ زمن بعيد عندما كان عضوا في مجلس الشيوخ ثم إبّان عمله كنائب للرئيس الأمريكي في فترة سابقة، لكن الغريب أن مثل هذه الدعوات لم تجد آذانا صاغية حتى الآن في أمريكا ألأمر الذي يشير إلى أنّ هناك قوى خفيّة وراء استمرار الوضع كما هو عليه وخاصة من أصحاب الأموال ملّاك مصانع السلاح الذين يصرّون على بقاء تجارتهم رائجة ولو على حساب الأبرياء ! ولهذا يمكن القول أن أمريكا ليست آمنة فعلا حتى لمواطنيها وأن الرأسمالية فيها تزداد توحشا ولو على حساب الشعب الأمريكي نفسه.