من سيخلف سرجيومتاريلا على رأس الدولة الإيطالية؟

عندما أعلن ماريو دراغي عن استعداده لتولي رئاسة الدولة مع انتهاء ولاية الرئيس الإيطالي الحالي سرجيومتاريلا يوم 2 فيفري، دخلت الطبقة السياسية في حالة غليان

لما لخطوة «سوبر ماريو» من وقع على التوازنات الحكومية والسياسية في البلاد بعد أن شهدت إيطاليا انتعاشا حقيقيا على المستوى الصحي والاقتصادي ورجوع النمو إلى نسبة 3،9 % مع موافقة الإتحاد الأوروبي على حزمة من الإصلاحات المدعمة من الميزانية الأوروبية. وبدأت عملية الانتخاب يوم الإثنين 24 جانفي وتشمل 1008 نائبا من البرلمان ومجلس الشيوخ وممثلين على الجهات المجتمعين في مؤتمر انتخابي ينظم هذه المرة تحت قيود الإجراءات الصحية التي تفرض عددا محددا من الناخبين داخل القاعات وإجراء عمليات الاقتراع لحاملي الفيروس خارج مبنى البرلمان في طابور من السيارات. وهي عملية معقدة، مع إمكانية عدم التوصل بسهولة إلى النصاب القانوني، سوف تستغرق بضعة أيام.

ومع رفض الرئيس الحالي البقاء لولاية ثانية بسبع سنوات، رجعت الأحزاب صلب الائتلاف الحكومي وخارجه للخوض في مسألة اختيار اسم «توافقي» علما أن اليسار واليمين يتمتعان بأغلبية الثلثين في المؤتمر الانتخابي التي يفرضها الدستور لانتخاب الرئيس الجديد. التقليد السياسي في إيطاليا أنه لا يوجد مرشحون، بل أن العملية تدور على غرار انتخاب البابا في «مؤتمر مقدس» انتخابي تختار فيه الأحزاب أسماء المرشحين وتدور المفاوضات حولهم وراء الكواليس. لذلك دخلت الزعامات السياسية منذ أكثر من أسبوع في مفاوضات متعددة الجوانب حول الاسم الذي يمكن أن يحظى بأغلبية علما وأن 10 أسماء تروج في أعمدة الصحف ونقاشات بلاتوهات التلفزيونات. ومع انسحاب سيلفيو برلوسكوني من السباق اتضحت الصورة أكثر حول الأسماء البارزة والسيناريوهات الممكنة.

اليمين ضد ماريو دراغي
منذ الوهلة الأولى لقي ترشح رئيس الحكومة ماريو دراغي معارضة من فصائل اليمين السياسي وخاصة من ماتيو سالفيني، زعيم حزب الرابطة المتطرف المشارك في الائتلاف الحكومي الواسع الحالي. موقف سالفيني، الذي يشاركه فيه حزب 5 نجوم، يرتكز على خطورة فشل الخطة الحكومية الحالية في صورة تغيير رئيس الحكومة. وهو السيناريو الذي يفرض إعادة صياغة حكومة جديدة في غياب ماريو دراغي، الشيء الذي يمكن أن يفضي لى انتخابات سابقة لأوانها لا يحبذها حزب الرابطة وحزب 5 نجوم اللذين شهدا في الأشهر الماضية تقهقر شعبيتهما في عمليات سبر الآراء. ويرغب كل حزب في الائتلاف الحكومي في الحفاظ على مواقعه الانتخابية والحكومية إلى نهاية الولاية عام 2023 ويخاف من خسارة انتخابية في صورة حل البرلمان.
من ناحية أخرى، يجد هذا الموقف دعما صريحا من جريدة «فايننشال تايمز» اللندنية، التي تعبر عن موقف رأس المال الأوروبي. وقد نشرت الصحيفة مقالا مطولا ذكرت فيه بخطورة أن تتراجع الأحزاب عن المخطط الأوروبي للإنقاذ الذي نجح ماريو دراغي في تشكيله مع الأحزاب وفرضه على أرض الواقع في أقل من سنة. وهو ما جعل الاقتصاد الإيطالي يتعافى ويسترجع حيويته في فترة وجيزة بعد ان كان يحتضر قبل تعيين ماريو دراغي على رأس الحكومة. وأكدت الصحيفة الاقتصادية أن أمام إيطاليا عام 2022 مواعيد عديدة تتمثل أساسا في 102 مشروعا من بينها 66 مشروع إصلاح يتطلب 23 الموافقة على قوانين من قبل البرلمان لضمان التمويلات الأوروبية. وفي صورة تغيير الحكومة أو فشل الأحزاب سوف يفضي الوضع إلى حل البرلمان. وهو ما تخافه أوساط الأعمال الإيطالية والأوروبية. لكن رغم هذه المخاوف يتمتع ماريو دراغي بدعم قوي من قبل تشكيلات اليسار التي يمكنها ضمان 407 صوتا من كبار الناخبين مقابل 451 لأحزاب اليمين علما وأن الأغلبية الدستورية تفرض الحصول على 673 صوتا.

خلافات حزبية وتعددللمرشحين
المشهد السياسي الحالي، وإن سمح بتشكيل حكومة ائتلاف وطني جمعت تشكيلات من اليسار والوسط واليمين تحت رئاسة ماريو دراغي، فإنه، حسب تصريحات الزعماء السياسيين،لا يضمن التوافق حول ترشيح ماريو دراغي لأنه يفتح كذلك الخوض في اختيار رئيس جديد للحكومة في مناخ متشعب ووضع صحي خانق. وقدمت بعض الأحزاب في مفاوضاتها السرية أسماء بديلة مثل رئيس البرلمان الأسبق بيار فرديناندو كزيني والوزيرة مارتا كارتابيا، مرشحا اليمين، أو الوزيرين أندريا ريكاردي و جوليو أماتو عن أحزاب اليسار. لكن «يناصيب الرئاسية» لها قواعد تخفى على الملاحظين لما للمفاوضات من تشعب في المواقف والمصالح.

ويبدو من الاجتماعات الأولى بين زعماء الأحزاب أن الرأي السائد يتوجه إلى «تصويت أبيض» في الدورة الأولى لأخذ الوقت الكافي للوصول إلى حل توافقي يضمن الاستقرار الحكومي الضروري و التوافق على اسم لخلافة الرئيس ماتاريلا من جهة، وحفظ ماء الوجه للشخصيات الأخرى التي لم تتقدم علنا للانتخابات لكنها تبقى محل كل النقاشات المفتوحة. وهو المبدأ الذي عبر عنه بعض ساسة البلاد في سيناريو عدم دعم ماريو دراغي لتسلم رئاسة الدولة وابقائه على رأس الحكومة. وكان رئيس الحكومة قد عبر عن استعداده «كشخص وجد للعمل لصالح مؤسسات الدولة» في كل الأحوال. وهو ما يسهل عملية التفاوض. إذ أن ملء الشغور في قصر كويرينالي بروما يسمح بتواصل العمل الحكومي دون تغيير ولا يمس من صلاحيات دراغي الذي يحظى بشعبية تفوق نسبتها 60% في عمليات سبر الآراء.

امرأة لأول مرة على رأس الدولة؟
آخر مستجدات التفاوض سيناريو اختيار امرأة لرئاسة الدولة في شخص رئيسة المخابرات الحالية – التي عينها ماريو دراغي–إليزابيتا بلوني. وهي دبلوماسية في رتبة سفيرة تقلدت منصب الأمين العام للخارجية قبل ترؤسها للمخابرات منذ سنة. وتعتبر مرشحة خارج الأحزاب لأنها لا تنتمي لاي حزب في المشهد السياسي، بل هي دبلوماسية عريقة يشهد لها الجميع بالكفاءة. ويبدو من الاجتماعات الأولى أن لها قبول أحزاب اليمين واليسار خاصة أنها تقلدت منصب رئيسة وحدة الأزمات مع الوزير اليميني فرانكو فراتيني (حزب الجبهة الوطنية)ثم رئيسة ديوان رئيس الحكومة اليساري باولو جانتيلوني وأمينة عامة لوزارة الخارجية في ظل لويدجي دي مايو (حزب 5 نجوم) أي أنها عملت مع مختلف أحزاب الائتلاف الحكومي. وقد قدم ترشحها ماتيوسالفيني عن حزب الرابطة.
صعود امرأة على رأس الدولة الإيطالية يشكل سبقا تاريخيا ويعطي للأوساط السياسية والمالية الأوروبية صورة مطمئنة، في زمن « مي تو»، تتماشى مع رئاسة المفوضية والبرلمان الأوروبي من قبل شخصيتين نسائيتين. لكن هذا السيناريو يبقى رهين اتفاق سياسي بين الأحزاب وماريو دراغي الذي لا يرغب في الخروج من الساحة السياسية بل الحفاظ على صلاحياته في النظام الحالي ولو أنه يريد توجيه النظام السياسي البرلماني الإيطالي نحو نظام شبه رئاسي يكون فيه لرئيس الدولة دور أكبر مما هو عليه الآن.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115