مدينة وتتنافس الأحزاب يوم الأحد على 5 آلاف مدينة من بينها العاصمة باريس و47 مدينة كبرى لأكثر من 100 ألف ساكن. وأفرز الدور الأول، الذي دار في ظروف اندلاع جائحة كورونا، تقدم الخضر بنسبة 16،8 % واستفاقة ملموسة للأحزاب التقليدية التي تقدمت على الحزب الحاكم «الجمهورية إلى الأمام» الذي، بسبب حداثة تكوينه، لم يتمكن من التغلغل في المدن الصغرى والمتوسطة. وتبقى حالة مدينة لوهافر التي يتنافس على رئاستها الوزير الأول إدوار فيليبب فحظوظه وافرة وهو المرشح، حسب تسريبات عدة، لترك رئاسة الحكومة بعد الانتخابات.
من المتوقع، حسب عمليات سبر الآراء، أن تصمد الأحزاب التقليدية التي عادة ما تستفيد من إدارتها للمدن ويتمكن حزب الجمهوريين والحزب الاشتراكي من الحصول على أغلبية بلدية في معاقلها التقليدية في حين تبقى مدن أخرى، منها المدن الكبرى، مفتوحة أمام منافسة حزب الخضر والتجمع الوطني. أما حزب الرئيس ماكرون فكل المؤشرات تدل على عدم قدرته على المنافسة بل سوف يقتصر على تمثيلية صغيرة الحجم في البلديات التي قدم فيها قائمات انتخابية مع امكانية أن يفوز بمدينة سترازبورغ حيث تحالف مع حزب الجمهوريين.
منافسة نسائية على مدينة باريس
لأول مرة في تاريخ الانتخابات البلدية تتنافس ثلاث شخصيات نسائية، العمدة الحالية آن هيدالغوومرشحة اليمين رشيدة داتيو وزيرة الصحة السابقة أنياس بوزان عن حزب ماكرون. وتتصدر آن هيدالغو توقعات سبر الآراء لمؤسسة «بي في أي» بنسبة 45 % بعد أن تحالفت مع قائمة الخضر ومع أحزاب يسارية صغيرة أخرى ممثلة في المجلس البلدي. وتشير الأرقام الى أن رشيدة داتيبا رغم توحيد صفوف حزبها وراء اسمها لن تحصل على أكثر من 34 % أمام مرشحة حزب الرئيس ماكرون آنياس بوزان (18 %). وسوف تتمكن العمدة الحالية آن هيدالغو، حسب كل التقديرات، من مواصلة الأشغال المطروحة في إطار إتمام مشروع «باريس الكبرى» وتنظيم الألعاب الأولمبية لعام 2024.
مستقبل اليسار في نجاح الخضر
الأرقام المسجلة في الدور الأول و استطلاعات الرأي الحالية تدل على تقدم ملحوظ لحزب الخضر منذ نجاحة في الانتخابات الأوروبية الأخيرة إذ حل فيها في المرتبة الثالثة متقدما بذلك على باقي تنظيمات اليسار. وإن يواصل حزب «فرنسا الأبية» تحت قيادة زعيمه جون لوك ميلونشون في تصدر النقاشات و الجدل على مستوى الإعلام فإن حزب «أوروبا الإيكولوجية والخضر» أصبح تحت زعامة يانيك جادو يمثل بديلا لسياسات اليمين الفرسي الذي وجدت لها متنفسا مع رئاسة إيمانيول ماكرون. و لم يقدر الحزب الإشتراكي الذي هيمن على المشهد السياسي منذ 1981 على الرجوع إلى بريقه بعد خروج الرئيس الإشتراكي فرنسوا هولاند من السباق.
وفي عملية الانتخابات البلدية قام حزب الخضر بحملة مستقلة في الدور الأول أظهرت تقدمه العددي ولو أن الحزب لم ينجح بعد في الفوز ببلديات. لكن التركيبة الانتخابية في المدن الكبرى يمكن أن تساعده بفضل تحالفه مع تنظيمات اليسار على الفوز بمدنتي «بيزونصون» و «غرونوبل» مع حضوض ممكنة في مدن «تولوز» و «ليل» و «مرسيليا» و «سترازيورغ» و «بوردو»، أحد معاقل اليمين، التي تخوض دورا ثانيا لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.
من الواضح أن الأزمات المتتالية على الصعيد الوطني (انتفاضة السترات الصفراء و إضراب سكك الحديد و الإضرابات ضد قانون التقاعد و جائحة كورونا) لن تخدم الحزب الحاكم بل تساعد الأحزاب الأخرى على تسجيل نجاحات جديدة. لكن المشهد السياسي على المستوى المحلي لا تخدمه عادة القضايا الوطنية بل أن موازين القوى تحكمها مصالح وتأثيرات نابعة من المشاكل والتطلعات لكل مدينة و جهة على حدة. وهو ما يجعل نتائج الانتخابات هذه المرة أكثر تشويقا من سابقاتها.