و كانت رابطة حقوق الإنسان قد قدمت اعتراضا لدى مجلس الدولة للتصدي للقرار الحكومي باعتبار انه يحد من الحريات.
و اعتبر مجلس الدولة، وهو أعلى سلطة قضائية إدارية في الدولة، في حيثيات الحكم الإداري أن استخدام مثل هذه الطائرات «يمثل تعديا خطيرا و غير قانوني على حق احترام الحياة الشخصية» و أنه يمثل خطرا باستعمالها بصورة معاكسة لقوانين حماية المعطيات الشخصية». و اعتمد المجلس في مداولاته على إمكانية التعرف على هوية الأشخاص في الفضاء العام وهو ما يفتح الباب أمام سوء استخدام هذه الآلية التكنولوجية.
اعتراضات الحكومة
وتواجه الحكومة الفرنسية انتقادات عديدة صادرة من مؤسسات المجتمع المدني و من الأحزاب المعارضة تتهمها باستخدام قانون الطوارئ الصحي المفروض على البلاد للتعدي على الحقوق الشخصية و العامة. و اعتبرت وزارة الداخلية وإدارة شرطة باريس خلال المداولات أن استعمال هذه الوسائل التقنية يهدف إلى رصد التجمعات غير القانونية من أجل تحريك قوات الأمن و تفريق الأشخاص المتجمهرين في الطريق العام وهو ما يهدد صحة الناس بتسهيل انتشار فيروس كورونا من شخص إلى آخر.
ولئن قبل القاضي الإداري اعتراض الحكومة فإنه اعتبر أن منع القرار الحكومي يرتكز على قدرة «الدرون» على التعرف على هويات المواطنين وعلى فتح الباب أمام سوء استعمال هذه التقنية الحديثة. و وضح القاضي أن استخدام الطائرات دون طيار لا يخضع لآي إطار قانوني و وجب على الحكومة ، إذا أصرت على موقفها، أن تؤسس إطارا قانونيا في الغرض يضبط سبل و هدف استعماله.
جدل مستمر حول احترام الحريات
و أشار القاضي الإداري في هذه المسألة أن استخدام هذه الآلية التقنية يستوجب نشر قرار وزاري ينظم تداولها بعد تلقي رأي الهيئة الوطنية للمعلوماتية و الحريات و قبل أن يسمح لقوات الشرطة باستعمال «الدرون» على أن يضمن ذلك عدم التعرف على هوية الأشخاص. و نوه باتريس سبينوزي ، محامي رابطة حقوق الإنسان، بقرار مجلس الدولة معتبرا أن المؤسسة الدستورية عبرت عن «رغبتها في التعلق بالحريات الأساسية» للمواطن الفرنسي.
يأتي هذا القرار بعد جدل حاد دار حول «التتبع الإلكتروني» عبر لوغاريتم في الهواتف الجوالة كانت الحكومة تنوي استعماله لتنبيه المارة بوجود شخص حامل للفيروس قربهم. و عبرت عديد الهيئات السياسية و الاجتماعية عن معارضتها لهذه الآلية معتبرة أنها تحد من حريات المواطنين و تفتح الباب أمام قوات الشرطة للولوج إلى الحياة الشخصية و ضبط تحركات الأشخاص. و أمام حدة الجدل عدل الوزير الأول إدوار فيليب عن إدراج ذلك الإجراء في قانون رفع حالة الحظر الصحي. و صرح فيليب خلال مداولات البرلمان أنه سوف يقدم مشروع قانون خاص أمام النواب تتم مناقشته بعد مشاورات واسعة مع مؤسسات المجتمع المدني و الهيئات السياسية و الأحزاب.
و تطرح هذه القضية مسألة استخدام التقنيات الحديثة في المجتمعات الديمقراطية في علاقة باحترام حقوق الإنسان. و قد شهد العالم منذ اندلاع أزمة كورونا استعمالات مختلفة للتقنيات الحديثة في آسيا و أوروبا و القارة الأمريكية و إفريقيا لمواجهة انتشار فيروس كورونا. و كانت أهم - و أول الاستعمالات – قد صدرت عن الصين و بعض البلدان الآسيوية التي ليس لها نفس مستويات احترام الحقوق الأساسية مثل أوروبا. و لم تتأخر السلطات الصينية في فرض حالات عزل المواطنين و مراقبتهم بالتقنيات الحديثة و لو بصورة زجرية فضلت فيها السلطات الحفاظ على الأرواح قبل الحريات.