الاحتقان الاجتماعي في فرنسا دخل في دوامة تصاعدية بعد أن عبرت النقابات عن رفضها للقانون بحجة أنه «يسهل عمليات الطرد» في حين تنتظر النقابات إجراءات حكومية ملموسة للحد من تفاقم البطالة التي تزداد نسبها كل شهر منذ 2012 حسب الإحصائيات الرسمية. والتحقت بالنقابات منظمات الطلبة بقيادة الإتحاد الوطني لطلبة فرنسا الذي يتبع سياسة اشتراكية وهو أحد ركائز الحزب الاشتراكي الحاكم في الأوساط الطلابية. وقامت الحكومة اثر ذلك بتنازلات بعد المفاوضات مع الأطراف الاجتماعية من أجل تعديل القانون بصورة يصبح مقبولا من قبلهم. لكن الحكومة لم تقبل سقف المطالب النقابية الذي يدعو إلى التخلي عن القانون.
«إنتفاضة» شبابية
وبالرغم من دعم النقابات الإصلاحية لمشروع القانون بعد إدخال بعض التعديلات الطفيفة فإن الحكومة تخشى أمام تصاعد المظاهرات والتحاق مجموعات راديكالية من «المخربين» بها أن يلتحم هذا الحراك بحركة «واقفون بالليل» التي تنظم في ساحة الجمهورية بباريس و تضم عشرات الآلاف من المتظاهرين. وأصبحت الحكومة تعيش جوّا من الرعب بسبب سيناريو التحام متظاهري ساحة الجمهورية بباقي الغاضبين من نقابات و طلبة.
وقد شهد الأسبوع الماضي تصعيدا ملفتا للأنظار بدخول التحركات الطلابية في عمليات عنيفة ضد الممتلكات وذلك بدخول مجموعات «المخربين» في مواجهات مع قوات الأمن بمناسبة تنظيم المظاهرات السلمية. و قامت نفس المجموعات بالتصدي لقوات الأمن في ساحة الجمهورية بمناسبة حركة «واقفون بالليل» مما أدى إلى التدخل قوات الأمن في عديد المرات لمنع تواصل التظاهرة. وهو ما أعطى للعاصمة باريس صورة «الانتفاضة» مع دخول ملثمين حاملين «الكافية» الفلسطينية وآخرين ملثمين على طريقة «البلاك بلوك» الرافضين للنظام الرأسمالي.
اختلاط المجموعات و المطالب أزعج وزير الداخلية الذي هدد بمنع التظاهرة و باتخاذ إجراءات قصوى ضد المخربين . هذا و قد أعلنت وزارة الداخلية أنها قامت بإيقاف 1000 شخص خلال شهر أفريل جراء عمليات العنف التي قامت بها مجموعات راديكالية مناهضة لسياسة الحكومة.
نحو خيار فرض المشروع باللجوء إلى قانون 49.3
تملك الحكومة إجراء دستوريا يمكنها من تمرير قانون الشغل الجديد دون إحالته على البرلمان وهو اللجوء إلى القانون 49.3 الذي يسمح للحكومة بسن قوانين دون المرور عبر البرلمان. وكانت حكومة مانويل فالس قد استخدمته بشأن «قانون ماكرون» الليبرالي الذي قدمه النجم الصاعد إمانويل ماكرون وزير الاقتصاد. ولا تريد رئاسة الحكومة أن تتخلى مجددا عن قانون آخر بعد أن قرر الرئيس فرنسوا هولاند عدم تنقيح الدستور لإدخال بند يتعلق بإسقاط الجنسية على مرتكبي أعمال إرهابية، بعد أربعة أشهر من الحوار العلني خلف كارثة سياسية غير مسبوقة.
بعد مظاهرات غرة ماي التقليدية التي خرج فيها عشرات الآلاف من الشغالين و العاطلين عن العمل، كرروا خلالها رفضهم لقانون مريم الخمري، أصبح سيناريو تمرير مشروع التنقيح عبر قانون 49.3 محتملا أكثر من قبل. خاصة أن كريستوف سيروغ النائب الاشتراكي المقرر للقانون في البرلمان الذي كلف من قبل الحكومة بالعمل على جمع أغلبية نيابية لتمرير القانون لم يخف خوفه من الإخفاق في هذه المهمة. حسب ما صرح به لصحيفة لو باريزيان «ينقص 40 صوتا للتوصل إلى أغلبية تمكن من المصادقة على القانون». فبعد تنقيح المشروع لإرضاء الطلبة و النقابات عبرت تنظيمات اليمين عن عدم رضاها وعن نيتها عدم التصويت لفائدته.
زد على ذلك أن الحزب الاشتراكي لا يزال منقسما في هذا الشأن وأن بعض الشخصيات الاشتراكية، التي لا تنتمي إلى حركة «المنتفضين» داخل الحزب و البرلمان، عبرت في عديد البرامج التلفزيونية عن رفضها للقانون. وهو ما يزيد من القلق الحكومي بعد أن عبر مقرر القانون عن رفضه هو الآخر لفرض الحكومة قسرا بعض التنقيحات. وأوردت صحيفة «لوبوان» الباريسية خبرا مفاده أن الحكومة، حسب أحد المسؤولين، تنوي استخدام قانون 49.3 لتمرير مشروع قانون الشغل قبل 17 ماي موعد التصويت على القانون وذلك في صورة عدم الحصول على أغلبية واضحة في البرلمان.