«استغلال فرنسا لإفريقيا»، السبب الأساسي حسب اعتقاده في استفحال موجات الهجرة غير النظامية في البحر الأبيض المتوسط. والتحق به ماتيو سالفيني النائب الثاني لرئيس الحكومة للتنديد، على قناة بالتلفزيون الإيطالي، بدور فرنسا في «استغلال ثروات افريقيا و شعوبها». و ردت فرنسا مباشرة باستدعاء السفيرة الإيطالية تريزا كستالدو للمساءلة والتعبير عن «غضب» فرنسا بسبب التصريحات الرسمية الإيطالية. و اعتبر من ناحيته بيار موسكوفيسي المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية أن هذه التصريحات «مجنونة» و أن محتواها :غير مسؤول»، في خطوة اعتبرتها الصحافة الإيطالية «أزمة دبلوماسية» غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية.
تصريحات سالفيني و دي مايو المتعلقة بأزمة الهجرة ،التي تواجهها الحكومة الإيطالية بصرامة بعد غلق المواني الإيطالية أمام بواخر النجدة في البحر الأبيض المتوسط، أجبرت رئيس الوزراء الإيطالي جيوزيبي كونتيه و وزير الخارجية إنزو موافيرو ميلانيزي على التدخل لجبر الضرر. واعتبر كونتيه أنه «إذا واصلنا هكذا سوف نجد أنفسنا معزولين» في أوروبا خاصة بعد أن شاهد وقع توقيع فرنسا و ألمانيا معاهدة آكس لا شابال الذي يحد من النفوذ الإيطالي في أوروبا و يكرس عزلها عن أمهات القضايا. و حاول الوزيران أن يجعلا من القضية «شأنا داخليا» حتى تتمكن الحكومة الإيطالية من الصمود أمام ردة الفعل الفرنسية المحتملة في الملفات العالقة مع أوروبا ومنها قبول الميزانية الجديدة.
إتهامات خطيرة
لأول مرة بين إيطاليا و فرنسا تصل العلاقات الرسمية إلى هذا الحد من العداء و التنديد. ماتيو سالفيني و لويدجي دي مايو استعملا نفس المفردات للتنديد بالدور الإستعماري الفرنسي لإفريقيا معتبرين أن استغلال ثروات البلدان الإفريقية من قبل باريس و مواصلة تحديد قيمة الفرنك الإفريقي من قبل البنك المركزي الفرنسي هما عنصران للتخلف لهما دور في استفحال ظاهرة الهجرة نحو إيطاليا.
في حين ندد لويدجي دي مايو بـ«الإستعمار الجديد» الفرنسي، أضاف ماتيو سالفيني تهجما شخصيا على الرئيس إيمانويل ماكرون مطالبا الشعب الفرنسي «بالتخلص من رئيس سيئ جدا» في الانتخابات الأوروبية القادمة. وقال في حديث صحفي: «لا أتلقى دروسا من ماكرون». ويرى الملاحظون في إيطاليا أن الهجوم الثنائي على إيمانويل ماكرون و فرنسا من قبل الزعيمين الإيطاليين يندرج في إطار التنافس الداخلي على الزعامة شهرين قبل موعد الإنتخابات الأوروبية والتي يراهن عليها ماتيو سالفيني لفرض قيادته للبلد. و خير ما يلقيه في الساحة الإعلامية هو موضوع الهجرة الذي أصبح يشغل الرأي العام ويعطيه شعبية متزايدة اصبحت تهدد شريكه دي مايو.
تهديد الملف الليبي
ذكرت الصحف الإيطالية أن الهجوم على فرنسا يتعلق بالأساس بالملف الليبي حيث اعتبر سالفيني أن «فرنسا لها مصالح مضادة للمصالح الإيطالية» في ليبيا و أنها تعمل على مواصلة «عدم استقرار البلاد» من أجل تحقيق مصالحها في النفط. وأضافت بعض الصحف أن «تقزيم» الدور الإيطالي في ليبيا يأتي بالتزامن مع المشاكل التي تعانيها الحكومة مع المفوضية الأوروبية في شأن الموازنة. وهو ما أظهر محدودية تحرك روما في الملفين.
وتبين أن فرنسا لها حلفاء داخل ليبيا، وفي مقدمتهم المشير حفتر، تستخدمهم لتقليص الدور الإيطالي في اتجاه فرض حل سياسي شامل. وتحاول رئاسة الحكومة الإيطالية، بعيدا عن النزاعات السلبية، أن تسترجع أنفاسها بعد أن فشلت في لعب دور الوسيط الذي منحها إياه المنتظم الأممي. و يحاول سالفيني في هذا الإتجاه، بعد أن تقرب من موسكو، فتح جبهة ضد فرنسا لإضعافها وهي تعاني من أزمة «السترات الصفراء» و ذلك من أجل تقوية الدور الروسي بعد أن أطلق الكريملين نداء تجاه «الأطراف المتنازعة» مطالبا بـ«عدم استخدام القوة لحل المشاكل» بل «الجلوس لطاولة المفاوضات». دخول روسيا على الخط في المعادلة الليبية يقوي موقف ماتيو سالفيني الذي وقع مع موسكو اتفاقية تعاون اعتبرها المحللون وسيلة لمواجهة الإتحاد الأوروبي من الداخل. و يبقى دور تهدئة الأوضاع بيد رئيس الوزراء الإيطالي الذي سوف يلتقي يوم 12 فيفري المقبل مع النواب الأوروبيين المجتمعين في برلمان سترازبورغ من أجل تحسين العلاقات مع أوروبا.