بلاده الإتحاد الأوروبي في السداسي الحالي. موضوعان وضعا في جدول الأعمال ، الهجرة و البريكسيت، شكلا حجرة عثرة لتقدم موضوع إصلاح الإتحاد و تطوير مؤسساته و طرق عمله. حصيلة القمة تمثلت في الخروج منها بتقدم طفيف و بدون اتفاق حاسم في الموضوعين الأساسيين اللذين كرسا مرة أخرى الانشقاق الحاصل بين الدول الأعضاء.
دخلت الدول الأعضاء منقسمة بين شقين، الشق الذي يترأسه الثنائي فرنسا و ألمانيا وهو يدافع عن المبادئ الأوروبية و التضامن بينها والشق «المعارض» الذي تموقع حول الثنائي المجري الإيطالي و المطالب بدعم المواقف القومية على حساب المجموعة الأوروبية و المفوضية . و إن تمسك الجميع بنوع من التوافق حول رفض «الكتاب الأبيض» الذي يحتوي على المقترحات الأخيرة لخروج بريطانيا من الإتحاد كانت تقدمت به الوزيرة الأولى البريطانية تيريزا ماي، فإن أركان الإتحاد تم هزها بسبب الاختلاف الجوهري بين الدول الأعضاء.
تريزا ماي في التسلل
شاركت تريزا ماي في القمة آملة في الحصول على موافقة الدول الأوروبية على مخططها بعد أن تولت إدارة هذا الملف و قامت برحلة مكوكية بين الدول الأعضاء للحصول على دعمهم أو، في حالة إخفاقها، في إدخال التفرقة بينهم حتى يتسنى لها المراوغة مع اقتراب الموعد المحدد لتوقيع «اتفاق الطلاق». لكن القمة تحدثت بصوت واحد رافضة المقترحات البريطانية التي لم تحل الإشكال القائم في شأن المشاركة في السوق المشتركة والحدود بين أيرلندا الشمالية التابعة لبريطانيا وجمهورية أيرلندا المنضوية في للإتحاد.
واعتبر رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك أن «الإطار العام للعلاقات الاقتصادية كما هو مقترح ليس له جدوى ، لأنه يهز أسس السوق الداخلية للإتحاد». وأضاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون :«لقد كررنا عزمنا المشترك على عدم التفويت في أي شيء . فهذه مصلحة حياتية سياسية واقتصادية للإتحاد الأوروبي.» وقوبل الموقف الأوروبي من قبل الصحافة البريطانية بالامتعاض حيث أنها اعتبرت هذا الموقف «صفعة» و«إهانة» للوزيرة الأولى التي، إذ أكدت على استحالة استفتاء ثان وعلى خروج بريطانيا من الإتحاد في موعد 29 مارس المحدد لها، اضطرت إلى العمل على تقديم مقترحات جديدة قبل يوم 18 أكتوبر موعد القمة الأوروبية القادمة. و هدد دونالد تاسك بإلغاء القمة الاستثنائية المبرمجة لمنتصف شهر نوفمبر في حالة لم تتقدم بريطانيا بحل يرضي أوروبا. وهو ما يفتح الباب على سيناريو الخروج «بدون اتفاق» الذي يعتبره كل الخبراء كارثيا على بريطانيا.
التهديد الفرنسي
في ملف الهجرة لم تتمكن القمة من تسجيل أي تقدم في المواقف المتباينة بين شقي النزاع المتمثل في كتلة المتمسكين بالإتحاد والكتلة «المعارضة» له من الداخل والتي تعمل ، بدون أن تفصح بذلك علنا، على تفكيكه. التقدم الطفيف حصل في قبول الدول الأعضاء المبادئ الثلاثة الأساسية لحل المشكلة والمتمثلة في «المسؤولية والتضامن وحماية الحدود الخارجية». وصرح في هذا الإطار المستشار النمساوي «مسألة الهجرة لن يتم حلها باقتسام المهاجرين من قبل البلدان في الإتحاد (التضامن) بل بحماية الحدود الخارجية» لمنع المهاجرين من دخول الأراضي الأوروبية. و ركز على نجاحه في التوصل لإتفاق مع مصر نجح في تجفيف منبع الهجرة نحو أوروبا. و قال إنه عازم على التفاوض مع بلدان شمال إفريقيا بنفس العقلية وفي إطار اجتماع للجامعة العربية في الأشهر القادمة. وكانت المفوضية الأوروبية قد اقترحت الأسبوع الماضي، تحت ضغط الرأي العام في مختلف البلدان الأوروبية، مقترحا لترحيل المهاجرين غير الشرعيين ودعما لمنظمة «فرونتاكس» بالرغم من انتقادات المجر وإيطاليا وكذلك اسبانيا للدور الذي تلعبه المؤسسة الأوروبية
في «إنقاذ المهاجرين» في البحر و إيصالهم إلى الأراضي الأوروبية. و أمام تصلب موقف «المعارضين» الرافضين لاستقبال اللاجئين و عدم احترامهم القوانين المشتركة الأوروبية، أخذ الرئيس الفرنسي في رده عليهم لهجة قوية ، و غير مسبوقة، إذ اعتبر أن « من يفسرون أنهم يحبون أوروبا عندما تسمح لهم برفاهة شعوبهم لكنهم يرفضون استقبال أي لاجئ و لا يحترمون أيا من القواعد هم نفسهم من يحدثون القلاقل». و أضاف مهددا القادة الشعبويين :«البلدان التي لا ترغب في تدعيم التضامن، سوف تخرج من شنغان. البلدان التي لا ترغب في تدعيم أوروبا سوف لن تتقبل أي دعم مالي، لذلك سوف يكون لنا في الربيع القادم حديث، حديث الحقيقة.» وهو تلميح للانتخابات الأوروبية القادمة التي سوف يكون موضوع الهجرة أحد محاورها الأساسية.
بين رفض المشروع البريطاني و رفض المنحى القومي الانعزالي انتهت القمة بأسئلة مطروحة على الجميع تتعلق بسيناريو خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي بدون «اتفاق» وهو ما يفتح الباب أمام أزمة عميقة يمكن أن تهدد استقرار العالم لما لها من تداعيات على عملتي اليورو و الجنيه الإسترليني. من ناحية أخرى السؤال يبقى مطروحا على الإتحاد الأوربي في قدرته على الحفاظ على وحدته أمام الهجمات المتكررة للقوميين، خاصة إذا ثبت تقدمهم في انتخابات البرلمان الأوروبي القادم، و قدرة الرئيس الفرنسي ماكرون على ترجمة إستراتيجيته الأوروبية إلى واقع سياسي جديد يعيد صياغة المشروع الأوروبي.