بعد أن أعلن فرنسوا هولاند ، من أعلى منصة مؤتمر البرلمان أمام غرفتيه المجتمعتين يوم 16 نوفمبر في قصر فرساي، عن التنصيص على نزع الجنسية لكل إرهابي أدين في أعمال تمس بالسيادة الوطنية، نزل تخلي الرئيس عن قراره كصاعقة على الطبقة السياسيّة الفرنسية. لأول مرة في تاريخ الجمهوريّة الخامسة يقوم رئيس بمثل هذه الخطوة الكارثية. وهو ما أكد للرأي العام الفرنسي ما لمسه خلال أربعة أعوام من حكم هولاند من ضعف في الإرادة السياسية وتردد في الإقدام على إصلاحات جوهرية في المجال الاقتصادي والاجتماعي.
في هذه القضية حظي قرار الرئيس الفرنسي من البداية بدعم أحزاب اليمين و الرأي العام الذي صدم بهجمات 13 نوفمبر الإرهابية. كان بإمكان هولاند تنظيم استفتاء في مناخ أشار إلى أن 80 % من الفرنسيين كانوا يساندون مثل هذا القرار. لكن الرئيس الفرنسي اختار توخي حل الوحدة القومية عبر اجتماع مؤتمر البرلمان بغرفتيه. وهو طريق سياسي تحكم فيه الفصائل السياسية و تسوده الحسابات السياسوية.
أول من دق مسمارا في نعش القانون كانت الفصائل اليسارية في صلب الحزب الاشتراكي الحاكم التي خرجت عن الطاعة الرئاسية لأنها تعتبر أن القانون يمس بالقيم الجمهورية التي يناضل من أجلها و التي ترتكز عليها المبادئ الإنسانية التي هي العمود الفقري للفكر اليساري. وذهب بعضهم إلى اعتبار نزع الجنسية عن الفرنسيين مثل «الخيانة» لهذه المبادئ. واضطر الرئيس لإدخال بعض التعديلات التي غيرت محتوى القرار حسب رغبة «المنتفضين» داخل الحزب الاشتراكي.
وبالرغم من هذه التعديلات صادق البرلمان على نص القانون بدعم من جزء من نواب اليمين. لكن مجلس الشيوخ غير نص القانون طبقا لما...أقره الرئيس هولاند أمام البرلمان. وبان بالكاشف أن في صورة رجوع النص أمام البرلمان لن تكون للرئيس أغلبية تمكنه من تمرير النص. فحدثت الكارثة. وتخلى هولاند على ما تبقى له من مصداقية سياسية أمام الرأي العام.
هولاند و الجبة الرئاسية
بعد تخلي الرئيس عن مشروعه الدستوري يوم الأربعاء خرج شباب فرنسا للمرة الثانية في مظاهرات عارمة في جل مدن البلاد منددين بتغيير قانون الشغل لصالح الشركات الخاصة وأرباب الأعمال وعلى حساب الأجيال القادمة. وكانت في مقدمة المنظمات المتظاهرة كل التنظيمات الشبابية اليسارية التي تعتبر سندا تقليديا لحكومة اليسار. وقوبل الشباب بتصدي قوات الشرطة بالغازات المسيلة للدموع . فكانت الكارثة الثانية التي قسمت ظهر المشروع الرئاسي مما جعل جل المحللين والسياسيين الفرنسيين يشككون في قدرة الرئيس هولاند على الدخول في الجبة الرئاسية ويتنبؤون له بهزيمة مثل تلك التي لحقت الوزير الأول الإشتراكي ....