اعتبر الملاحظون أن فوز الرئيس التركي في رهانه يعتبر «نصرا نسبيا» باعتبار النتيجة النهائية للاستفتاء التي أقرت انقسام الرأي العام التركي إلى شقين متنافسين بين التوجه الإسلامي والالتزام بالنظام اللائكي للدولة. وزاد من حدة الانقسام أن أظهرت النتائج معارضة من المدن الكبرى ومن المدن الساحلية ورفضا للمشروع الجديد من قبل الأكراد. وهو ما يضع الرئيس التركي أمام معادلة جديدة يتمتع فيها بصلاحيات واسعة و يواجه فيها كذلك معارضة قوية خاصة انه لم ينجح في تحسين مستوى الدعم مقارنة بالانتخابات الرئاسية السابقة.
حملة انتخابية غير مسبوقة
بعد أن أخفق رجب طيب أردوغان في تمرير المشروع الرئاسي في البرلمان أقر اللجوء إلى الاستفتاء إثر فشل الانقلاب الحاصل في جويلية 2016. و استفاد نظام أردوغان بإعلان حالة الطوارئ في البلاد التي مكنته من القضاء على منافسيه في السلطة داخل حزبه المنتمين إلى الداعية فتح الله غولان و شن حرب على زعماء الأكراد السياسيين المنتمين إلى حزب الشعوب الممثل في البرلمان ب80 نائبا. و في نفس الوقت الذي تقصف فيه القوات المسلحة المدن الكردية بتعلة «مقاومة الإرهاب» قامت قوات الشرطة و الأمن بإقالة عشرات الآلاف من الموظفين والجنود وأعوان الأمن والمدرسين المتهمين بضلوعهم في عملية الإنقلاب.
وطالت يد القمع 160 وسيلة إعلام من صحف و إذاعات وتلفزيونات تم غلقها. وقامت قوات الأمن منذ 2012 بإيقاف عشرات الصحفيين بمن فيهم مدير صحيفة «زمان» أكبر الصحف التركية و رئيس تحرير مجلة «حريات» بتهمة «المشاركة في أعمال ضد الدولة» في حين كانا يقومان بعملهما الصحفي العادي حسب المنظمات الدولية. و تكررت الأعمال القمعية ضد وسائل الإعلام قبل و بعد محاولة الانقلاب مما جعل منظمة «مراسلين بلا حدود» تعتبر تركيا «أكبر سجن في العالم للصحفيين». موجات القمع هذه ساعدت رجب طيب أردوغان في تقليص نشر الآراء والمواقف المناهضة للإستفتاء بصورة لم تحظ المعارضة إلا بنسبة 10 % من التغطية الإعلامية في حين تمكنت الحكومة من مد سيطرتها على أجهزة الإعلام الوطنية و المستقلة.
تغيير جذري في نظام الحكم
يفتح نجاح أردوغان في الانتخابات الباب واسعا أمام تغيير جذري لنظام الحكم نحو مركزة قوية للسلطة في يد الرئيس. وهو ما يعطيه حق تعيين الوزراء و نواب الرئيس و عزلهم دون الرجوع للبرلمان. و يمكن الدستور الجديد أردوغان، في حالة امتداد حالة الطوارئ، من الحكم المباشر عبر الأوامر الرئاسية بدون المرور بالبرلمان. و يسمح الإستفتاء بتنقيح الدستور نحو تمكين الرئيس بتعيين رؤساء المحاكم و كبار المسؤولين في السلك القضائي. وهو ما فسره الملاحظون بمحو أسس النظام الديمقراطي الذي يعتمد على فصل السلطات التنفيذية و التشريعية و القضائية. و يعطي النظام الجديد صلاحيات واسعة للرئيس بحذف وظيفة الوزير الأول مما يعطي رئيس الدولة سلطة تكاد تكون مطلقة.
و لاحظ بعض المهتمين بالشأن التركي أن رجب طيب أردوغان نجح، على المستوى الداخلي في حزبه، في عزل كل زعماء حزبه الذين يمكنهم التصدي لقراراته. و قد نجح في إخراج بعض المسؤولين السامين من مسالك أخذ القرار مثل الرئيس السابق عبد الله غول و الوزير الأول أحمد داودأوغلو و الوزير الأول الحالي بن علي يلديريم. زد على ذلك أنصار الداعية فتح الله غولان الذين كانوا يشكلون عنصرا هاما في تركيبة النظام التركي.
و تخشى المعارضة من أن يتحول نظام الحكم من النظام اللائكي إلى نظام يعتمد «أسلمة المجتمع و الدولة» على حساب التنظيمات السياسية المعارضة من أحزاب قومية و أخرى كردية أو يسارية أو لائكية. و ذهب بعضهم إلى التنديد بــ«النزعة الاستبدادية» لسياسة أردوغان التي تفتح الباب إلى لإرساء نظام تسلطي ذي نزعة اسلامية خاصة أن الرئيس التركي أظهر، منذ اعتلائه السلطة، عداء واضحا للفصائل اللائكية و الكردية و اليسارية.
المشهد التركي الجديد سوف يفتح الباب أمام نقاش تركي و إقليمي حول الطريقة المثلى لإرساء النظام الديمقراطي في مجتمع يمثل فيه المسلمون أغلبية عددية. و يشير نظام أردوغان أن الطريقة الممنهجة في قلب توازنات الدولة و المجتمع نحو «أسلمة» تركيا استنادا إلى مرجعية الإخوان المسلمين سوف تواجهها تنظيمات «لائكية» تقليدية و مستحدثة متحالفة مع التنظيمات الكردية المستهدفة من قبل النظام الحالي. وهو ما يكون له حتما امتداد إلى البلدان العربية التي اختارت تشريك الحركات الإسلامية الأخرى في الحكم.