أي دور لأردوغان بعد التعديلات الدستورية؟ الاستفتاء التاريخي .. وتغير المعادلات الداخلية والخارجية

أدلى الاتراك بأصواتهم الأحد الماضي لصالح التعديلات الدستورية وصوت 51.2 % بالموافقة عليها، في حين أجاب 48.8 % من الناخبين بـ«لا». وتشمل التعديلات الدستورية 18 بندا توسع صلاحيات الرئيس، وتكرس النظام الرئاسي في البلاد ليصبح اردوغان الحاكم الاوحد بلا منازع.

هو استفتاء تاريخي بكل المقاييس ومن المتوقع ان تكون له انعكاسات عميقة ليس فقط داخل المجتمع التركي بل في المحيط الاقليمي .. ولئن منح دعما جديدا لأردوغان من شأنه ان يطلق يده في الملفات الكبرى الداخلية والخارجية ، الا انه كشف في الآن نفسه عن عمق الانقسام صلب المجتمع التركي بين المؤيدين لسياسة اردوغان والمعارضين له، من حركات كردية ويسارية وعلمانية ..فهناك معارضة قوية بصدد التشكل وهي تشكل تحديا قويا على اردوغان وحزبه الإسلامي.
وقد عبرت اغلب ردود الفعل الاوروبية عن الحذر من النتائج، فالمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، وان اعلنت عن احترام حق المواطنين الأتراك في اتخاذ قرار بشأن دستورهم، الا انها ايضا اعتبرت ان نتيجة الاستفتاء المتقاربة تظهر عمق الانقسام في المجتمع التركي...

ابرز التعديلات
ضمت التعديلات الدستورية 18 بندا أهمها إلغاء منصب رئيس الوزراء، وتوسيع صلاحيات الرئيس لتشمل تعيين الوزراء وكبار المسؤولين.
وتسمح التعديلات للرئيس فرض حالة الطوارىء قبل عرضه على البرلمان للموافقة عليه. وهو ما يطرح اسئلة حول مستقبل الديمقراطية والحريات في هذا البلد مع تعاظم الضغوطات التي يتعرض لها الاعلام تحت ستار حالة الطوارئ.
ويلاحظ ان المادة 18 تلغي قانونا سابقا يقضي بقطع الرئيس المنتخب علاقته بالحزب السياسي الذي كان ينتمي له.
من أهم البنود التي أقرتها التعديلات أيضا إلغاء المحاكم العسكرية بشكل نهائي إلا في حالات الحرب.
وبغض النظر عن تراجع المساندة الشعبية لاردوغان مقارنة بالاستحقاقات الانتخابية الماضية التي كان يحوز فيها حزب العدالة والتنمية على اغلبية الاصوات ، الا ان اردوغان حصل على ما اراده وهو نسف دستور «مصطفى كمال أتاتورك» قبل 90 عاماً تقريباً.

مرحلة صعبة
قال الباحث العراقي في العلاقات الدولية ثائر عبطان حسن لـ «المغرب» ان تركيا أردوغان منذ سنة ونصف مرّت، ولا تزال تمرّ، بمرحلة صعبة ومصيرية جداً على الصعيدين الداخلي والخارجي في سياستها، بدءا بتوتر علاقتها مع روسيا أثر إسقاطها الطائرة الروسية في الأجواء السورية قبل ما يقارب ثمانية عشر شهرا وما ترتب على ذلك من تداعيات وخسائر للإقتصاد التركي كون التبادل التجاري والسياحي بين روسيا وتركيا وصل مؤخراً الى عشرات المليارات من الدولارات، مروراً بالانقلاب العسكري ( المُثير للتساؤل في من يقف وراءه ) في شهر جويلية من العام الماضي والذي كان بمثابة زلزال هزّ المجتمع التركي الذي كان يبدو متماسكا، ومزّق نسيجه وترك آثارهِ في كل نواحي الحياة التركية السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، داخليا، ورسم خارطة جديدة في علاقات تركيا مع محيطها الخارجي تغيرت مئة وثمانون درجة في بوصلة وجهتها وبالأخص مع أكبر حليفين في تاريخها المعاصر وهما الولايات المتحدة والإتحاد الأوربي، مما يعني ايضاً الانسلاخ تدريجيا والخروج من عباءة حلف الناتو» .
كل هذهِ الأحداث – بحسب محدثنا - جعلت تركيا اردوغان المُعاصرة تمر بمرحلة مخاض عسير ومفترق طرق ساهم اردوغان نفسه في صياغتها ليجعل تركيا امام الامر الواقع في مسألة الإستفتاء كونه واثقا من ان النتيجة ستكون إيجابية لصالحه وهذا ما سيطلق يدهِ في رسم معالم جديدة للسياسة التركية المقبله على الصعيد الداخلي والاقليمي والدولي.

وتوقع محدثنا ان يتخلص اردوغان داخليا من البقية الباقية من العسكر المتبقي والمناوئ له ، ويعمل على تحجيم المعارضة السياسية التركية، وسيستعمل وبلا شك العصا الغليظة مع المتمردين الأكراد وحزب العمال الكردستاني وسيزج بمزيد من قادتهم السياسيين في السجون لما حصل عليه من صلاحيات واسعة وفقا لهذا الاستفتاء واولها اعلان حالة الطوارئ والاعتقالات الكيفية، دون الرجوع للبرلمان او المحاكم القضائية العليا .

القضية الكردية
وفيما يتعلق بالقضية الكردية اعتبر الباحث في العلاقات الدولية إن المشكلة التي تقض مضجع ليس اردوغان وحده ، بل جميع سلاطين تركيا عبر مر التاريخ المُعاصر هي ليست سوريا ، بل القضية الكردية أصلا ، يعني التطورات الاخيرة في سوريا وحصول الأكراد على كيان مستقل مدعوم من امريكا والغرب ، هذا يعني تهديدا لتركيا وقلقا لساستها من خسارة ثلث مساحتها الجغرافية وأكثر من ذلك من مواردها الاقتصادية المتركزة في الجنوب الشرقي الذي يحوي على أكبر سدودها وموارد طاقتها وعصب اقتصادها . لذا فإن اردوغان سوف لن يدّخر جهدا في استعمال صلاحياته التي سيحصل عليها من تغيير الدستور في إطلاق يدهِ (التي كانت مكبَّلة بالدستور) بإتخاذ القرارات الفردية والإفراط في استعمال القوة ازاء كل ما يهدد جمهوريته الجديدة.

وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية اجاب بالقول :» ليس لأردوغان حاليا سياسة خارجية واضحة او محددة على الاقل لسببين ؛ الاول يخص اردوغان نفسه ولسبب تعنّته وانفراده بإتخاذ القرارات مما جعله يتخبط كثيرا في اتخاذ القرارات الهامة كما فعل مع روسيا و الولايات المتحدة ، ومايفعله الان مع دول الاتحاد الأوربي التي وصف دولها بالنازية والداعمة للإرهاب . السبب الثاني يتعلّق بالولايات المتحدة ودوّل الاتحاد الأوربي بعد حادث الإنقلاب العسكري الذي وقع العام الماضي والتي يتهمها اردوغان بالضلوع في التخطيط له». ويوضح محدثنا انه لا توجد معايير واضحة تحدد مستقبل العلاقة وتجعلها واضحة بين تركيا من جهة وأمريكا والاتحاد الأوربي من جهة ثانية .. ولهذا فأن العداء والتوتر الحالي من جانب تركيا كان سببه الأساس دعم الولايات المتحدة وألمانيا للمسلحين الأكراد بالسلاح المتطور والمعدات العسكرية المتقدمة ، بل وحتى بالمستشارين والجنود الذين يرافقون القوات الكردية في قتالهم لجبهة النصرة وداعش على الأرض ... وهذا ما لا تقبله تركيا على حد قوله.

دور جديد
من جانبه، يرى الباحث اللبناني في العلاقات الدولية خالد العزي ان الانتخابات كانت عادية وهي تعبر عن احكام الديمقراطية ودلالاتها والصراع كان حول توسيع صلاحيات الرئيس . وأضاف ان المعارضة والنظام خاضا حملة تسويقية انتخابية انتهت بالأغلبية الضئيلة التي ساعدت حزب العدالة على التفوق وتصدر النتيجة . وتابع قائلا: «وطبعا الصراع التنافسي واضح في عملية الاستفتاء وهذا ما شاهدناه في امريكا ووصول ترامب للسلطة وكذلك استفتاء بريطانيا وسلخها عن الاتحاد الاوروبي». ورأى محدثنا ان المشاعر القومية لدى الشعوب هي التي تسيطر وهذا ما يساعد التوجهات السياسية التي تدغدغ المشاعر القومية وهذا ما فعله اردوغان وخاصة ان الجماهير التي خرجت الى الشوارع التي حملت شعارات «افيتا» لم تكن النساء فيها تلتزمن بالحجاب والزي الاسلامي الملتزم وإنما كن يرتدين الأزياء والموضة الحديثة .وهذا يدل على ان الشعب التركي كان يدافع عن قوميته وعن جمهوريته المدنية ويعلن رفضه لحكم العسكر ودستور العسكر الصادر عام 1980..وبحسب محدثنا فان كل هذه الامور ساعدت اردوغان على رفع شعاراته القومية فوق التزامه الحزبي وقد ضحى بأعز أصدقائه عبدالله غول واحمد أغلو.. وقال ان خطاب ساحة «تقسيم» يؤشر الى ان اردوغان كان قوميا ومثله الأعلى اتاتورك. ويلاحظ ان المدن والمحافظات القريبة من الحدود السورية وكذلك الأكراد لعبوا دورا في رفع النتائج حيث صوتوا بنسبة 70 بالمئة ‏في مناطقهم كحزب الشعوب الكردي المعارض من اجل توسيع الصلاحيات .

في حين ان المدن الكبرى مثل انقرة واسطنبول وديار بكر صوتت بـ لا ..واضاف قائلا :«شاهدنا مرحلتين من الانتخابات البرلمانية التي اجريت في تركيا والتي منعت من قيام حكومة مريحة وهذا سيساعد اكثر الرئيس على اتخاذ قرارات مصيرية غير خاضعة لأي تحالف او مصالح احدى القوى» وهذا الأمر سيساعد اردوغان على المضي نحو تطبيق سياسة التعامل بجدية مع حقوق الأكراد والتي بدأها منذ توليه السلطة بالرغم من المشاكل التي حاطته ومنعته من اكمالها».

العلاقات الخارجية
هل تعطي التعديلات دورا جديدا لاردوغان في مستوى العلاقات الخارجية ؟ يجيب العزي بالقول :«بالنسبة للاتحاد الاوروبي سيكون اردوغان قادرا على إدارة دبلوماسية جديدة غير مشروطة بمواقف الاتحاد الاوروبي وإنما سيدفع شروطه وبالتالي سوف يعمل على تفعيل واستقرار بلده اقتصاديا وسيزيد من رفع الاستثمارات الاقتصادية وخاصة مع دول الخليج العربي التي ستفّعل دورها في علاقة محورية مع تركيا وتزيد راس مالها الاستثماري وهذا ما سيساعد اردوغان بالعمل على طرح سياسة خارجية جديدة من خلال علاقاته مع دول الخليج وأمريكا وروسيا . وتوقع محدثنا ان يصبح اردوغان لاعبا جديدا بطريقة جدية يستطيع من خلالها التخلي عن الورثة القديمة مدعوما باستفتاء شعبي».

اما بالنسبة لدور تركيا في سورية فأضاف العزي: «اثبت اردوغان بانه لاعب أساسي ويملك بوابة العبور نحو الشرق العربي ومن هنا استطاع ان يفعل دبلوماسية جديدة مع الروس بالرغم من الاختلاف في التعاطي مع الأزمة السورية ، حيث اصر على دعم المعارضة والتي تمثل بدرع الجزيرة وتحرير جرابلس والباب واستطاع تفكيك الدويلة الكردية في شمال سورية بالرغم من الدعم الروسي والأمريكي لها واستطاع ان يذهب الى الآستانة ويقول بأنه ضامن لهدنة عسكرية .. واكد العزي ان الأيام القادمة سوف تحدد كيف سيكون تعاطي اردوغان مع هذا الموقع الجديد الذي فرضه الاستفتاء.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115