ويرى مراقبون ان استعدادات اردوغان وحكومته تهدف بالاساس لتحصين موقعه عبر إحداث ترسانة قوانين تتماشى مع خطواته في الرئاسة ،ويرى المراقبون ان هذه المحاولات بدأت منذ تولي اردوغان الحكم عبر الاساليب التي باتت تتبعها الحكومة التركية من تشديد للرقابة الاعلامية والاعتقالات والإقالات والمحاكمات التي طالت صحفيين وقضاة وسياسيين وذلك حتى يسعى أردوغان الى بسط هيمنته ونفوذه على كافة مفاصل الدولة.
ويرى مراقبون أنّ المحاولة الانقلابية الفاشلة أعطت حكومة أردوغان ضوءا اخضر لمواصلة هذه الحملة والتخلص من أعدائه في كافة المجالات. ويرى المنددون بسياسة الاعتقالات التي تعتمدها السلطات التركية أن رجب طيب أردوغان يحاول تحقيق أهداف مزدوجة كثمار لمحاولة الانقلاب الفاشلة أولها تصفية خصومه السياسيين -على رأسهم عدوه اللدود الداعية الإسلامي فتح الله غولن -وكل من هو غير متوافق مع سياسته وهوية الدولة التركية ، وثانيها القضاء على نفوذ حزب العمال الكردستاني نظرا للعداء المستمر لعقود بين الحكومة والأكراد في تركيا.
صلاحيات أوسع
وتضمن هذه الإصلاحات التي سيصوت عليها الاتراك وسط غضب وانتقادات المعارضة ، تضمن لاردوغان إصدار المراسيم وإعلان حالة الطوارئ وتعيين الوزراء وكبار المسؤولين الحكوميين وصلاحية حل البرلمان أيضا وهي صلاحيات تقول أحزاب المعارضة في البلاد إنها تقلب موازين القوى وتزيد من «تغول» نفوذ اردوغان .
وبحسب التعديلات الدستورية المقترحة، سيتمتع رئيس الجمهورية، إضافة إلى منصب القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة الذي يشغله حالياً، بجميع الصلاحيات التنفيذية التابعة لرئيس الوزراء، والذي سيتم إلغاؤه وتعيين نواب للرئيس بدلا منه. وسيتولى الرئيس تشكيل الحكومة وتعيين الوزراء والتقدم بمشروع الميزانية، وسيتمتع بالقدرة على إصدار المراسيم التشريعية على أن لا تدخل حيز التنفيذ إلا بموافقة البرلمان عليها، وبشرط ألا تمس بالحقوق والحريات الشخصية للمواطنين. كما ستمتلك كل من رئاسة الجمهورية والبرلمان صلاحية حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية في حال حصل استعصاء سياسي في البلاد. وسيحظى المجلس النيابي بعدد من الإصلاحات، من بينها رفع عدد المقاعد البرلمانية إلى 600 مقعد بدل 550 مقعدا حاليا، كما سيتم انتخاب نواب احتياط، وكذلك سيتم تخفيض عمر الترشح لعضوية البرلمان إلى 18 عاما.
من جانبه قال سومر سلطان الكاتب المختص في الشؤون التركية لـ’’المغرب» انّ هناك محورين يجب تقويم مشروع الانتقال إلى النظام الرئاسي، في تركيا، من خلالهما، محور خاص، وآخر عام. وأضاف ان المحور الخاص يتعلق بالأحلام الشخصية الامبراطورية للرئيس رجب طيب أردوغان، وعطشه الذي لا يرتوي إلى السلطة والهيمنة في محاولة منه لترسيخ نظرة تعتبره «أباً للأمة، ومقرراً لمصيرها».
وتابع محدّثنا ان «المحور العام يتعلق بالحسابات الأمريكية، ورغبتها بالزج بتركيا في متاهات ومغامرات حربية لا يزال مجلس الشعب يعرقل السقوط فيها. ولهذا تحتاج أمريكا إلى شخص يطبق كل السياسات التي تريدها، ويجب أن تكون لديه بالتالي الصلاحيات والسلطة اللازمة لذلك».
«مسبح اعلامي لإنجاح الاستفتاء»
واكّد محدّثنا ان التوقعات تقول ان الشعب التركي عموماً غير مقتنع بالانتقال إلى نظام رئاسي، رغم أن الدولة بكل إمكاناتها وقدراتها مستنفرة لكي تخرج النتيجة إيجابية من الاستفتاء، فالقدرات المالية العملاقة لما يسمى بـ«المسبح الإعلامي» للحزب الحاكم، إضافة للإمكانات اللوجستية للبلديات ومؤسسات الدولة مسخرة كلها لصالح الحملات الانتخابية المؤيدة لخيار أردوغان، وحتى أنه تم استصدار فتاوى بتكفير الرافضين للمشروع الأردوغاني على حد تعبيره.
واشار الكاتب السوري الى عمليات الضغط على الموظفين في الدوائر الحكومية ليصوتوا لصالح أردوغان، وعمليات اعتقال الناشطين المنخرطين في الحملات المضادة لمشروع أردوغان. مضيفا انه رغم كل هذا يمكن القول إن هناك ما لا يقل عن 50 إلى 55 % من الشعب يرفض خيار الانتقال إلى النظام الرئاسي.
وتابع محدّثنا«الاهم هذه المرة هو ما يطلق عليه اسم «سيتس سيس»، وهو اسم نظام العد الإلكتروني للأصوات، وغير موثوق إطلاقاً، كون أغلب الدول في العالم تخلت عن أسلوب العد الإلكتروني لصالح الأسلوب التقليدي بالورقة والقلم ،وبناءً عليه، لا يزال احتمال رفض المشروع الرئاسي قائماً، ولكن هناك مخاطر جدية عليه».
تداعيات التمرير او الفشل
وأكد الكاتب السوري أنه «أياً كانت نتيجة الاستفتاء فإن المسرح السياسي سيكون مختلفاً بشكل كبير عما هو عليه اليوم، فهناك حديث عن نشوء أحزاب جديدة، ترتكز على قاعدة يمين الوسط، ويعني ذلك سحبها بعضاً من أصوات حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، وهذا يعني تقليدياً ازدياد قوة يسار الوسط نسبياً. غير أن أردوغان من جهته يراهن على انشقاق في حزب الحركة القومية يجعل الحزب يفشل في دخول البرلمان، وتذهب أصوات قاعدته الشعبية بالتالي إلى أردوغان، في انتخابات عام 2019».
وعن التوقعات بخصوص نتائج هذا الاستفتاء اجاب محدّثنا أنه «من المتوقع ان يحقق يسار الوسط ممثلا بحزب الشعب الجمهوري صعودا نسبيا ليس كبيرا، بالإضافة الى وجود إشارات حول لقاءات بين قياديي حزب الشعب مع الأمريكيين والأوربيين حاولوا فيها أن يشرحوا جدارتهم بقيادة البلاد ، وهذا لا يعني أنه إن تمكن الحزب من الوصول إلى السلطة في 2019 ان يكون هناك انعطافة كبيرة في السياسة اتجاه سوريا والعراق، بل ستسلك حينها الحكومة سياسة التفتير المتدرج للملفات الشائكة، وستعلن مواقف معادية جداً للحكومتين السورية والعراقية، نزولاً عند الشروط الأمريكية للتعاون معها».
وعن فتور علاقة اردوغان بالغرب اكد سومر سلطان وجود تفاهمات من تحت الطاولة بين أنقرة وكيان الاحتلال الصهيوني، مشيرا الى انها المرة الأولى التي لا يثير فيها أردوغان أزمة دبلوماسية مع قادة الكيان قبيل الانتخابات.
الغرب والاستفتاء
وعن علاقة أردوغان مع الغرب اجاب محدّثنا ان علاقته ليست متوترة مع كل الغرب، بل فقط مع طيف معين من البلدان الأوربية، مشيرا الى انّ علاقته بواشنطن جيدة جداً. وتابع سلطان «أما فيما يخص الاتحاد الأوربي فإن أردوغان، ورغم الضجيج الذي أثاره مع حكومتي ألمانيا وهولندا، فقد قدم عملياً تنازلاً كبيراً جداً من تحت الطاولة لهما، قيمتها حوالي 4 مليار يورو، وهي المساعدات التي كان يطلبها من الأوربيين، ويهدد - في نهايات عام 2016 - بإرسال كل اللاجئين الموجودين لديه إلى أوروبا إن لم يتم دفعها له في أقرب وقت، ولكن رأينا في الأزمة الأخيرة أن الأوربيين قطعوا هذه المساعدات، ولم ينفذ تهديده، مما يكشف عن تقديمه هذا التنازل لصالحهم».
واشار محدّثنا الى انّ أمريكا عموماً تؤيد المشروع الرئاسي الأردوغاني، كونه سينفذ ما تم الاتفاق عليه في زيارته الأخيرة لواشنطن، وخاصة فيما يتعلق بالملفين السوري والعراقي، إضافة إلى ترتيبات جديدة ليست معروفة بعد لشراء النفط العراقي، الذي تستولي عليه حكومة إقليم كردستان العراق، وترتيبات أخرى تتعلق بنقل الغاز الفلسطيني، الذي يستخرجه كيان الاحتلال الصهيوني، إلى أوروبا عبر الأراضي التركية على حدّ قوله.
واعتبر الكاتب المختص في الشؤون التركية ان أوروبا من جهتها، تخشى من وجود جار غير منضبط على حدودها الشرقية، وخاصة أن هذا الجار عضو في عدة اتفاقات تخص الاتحاد الأوربي، مثل اتفاق محكمة حقوق الإنسان الأوربية والاتفاقية الأوربية الجمركية، وسواها. ولذا «فإنها تفضل لو أن النظام يبقى على حاله في تركيا، لكن هذا لا يعني أنها ستعمل لعرقلة المشروع الرئاسي، بل إنها بحسب المعطيات الحالية المتوفرة تعد العدة لمرحلة ما بعد الاستفتاء الرئاسي، إذ نرى أنها ستلجأ لسياسة الاحتواء اتجاه أردوغان».