في ظل الجفاء بين أنقرة وأوروبا: الاستدارة التركية من «ناتو الغرب» إلى «شنغهاي الشرق»

لاشكّ أن الانقلاب الفاشل الذي شهدته تركيا منتصف جويلية المنقضي حمل معه تداعيات داخلية وأخرى خارجية، خصوصا على مستوى علاقات أنقرة الإقليمية والدولية وأبرزها علاقاتها مع القارة الأوروبية، خصوصا في ظل تضارب السياسات بين الطرفين إزاء عدة قضايا حساسة

على غرار واقع الحريات ووضع حقوق الإنسان في أنقرة وتداعيات ذلك على مفاوضات دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. ويرى مراقبون انّ ابتعاد تركيا تدريجيا عن أوروبا يتزامن مع تقاربها مع روسيا خصوصا عقب توقيع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان رسميا أمس على قانون خاص باتفاق مع موسكو حول بناء خط أنابيب بين البلدين.

ووقعت تركيا وروسيا- في أكتوبر الماضي- اتفاقا حكوميا حول مشروع نقل الغاز «التيار التركي» ينص على بناء خطي أنابيب غاز إلا أن التوقيع الرسمي تم أمس، يشار إلى ان الخط الأول مخصص لتوريد الغاز مباشرة إلى السوق التركي، والآخر لتوريد الغاز عبر الأراضي التركية إلى الدول الأوروبية، وقد تم تحديد الفترة المخصصة للبناء في الاتفاق الحكومي والتي تمتد حتى ديسمبر من عام 2019.

وتشهد علاقة تركيا بالدول الأوروبية في الآونة الأخيرة خلافات عميقة أولا بسبب تفجّر أزمة اللاجئين ، وثانيا بسبب هشاشة الاتفاق الذي اعتبر مراقبون انه سقط مؤخرا بعد احتدام الخلاف بين أنقرة والغرب نتيجة تعليق مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي وهو ما قابله تهديد تركي صريح بفتح الأبواب أمام اللاجئين لدخول القارة العجوز .يذكر بأنّ أنقرة كانت قد وضعت أمر رفع تأشيرة الدخول عن المواطنين الأتراك إلى أوروبا شرطا لتطبيق الاتفاق التركي الأوروبي في ما يخص اللاجئين ومفاوضات دخول أنقرة إلى الاتحاد الأوربي أيضا. ويهدف الاتفاق الذي تم التوصل إليه في مارس بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، إلى وقف عبور المهاجرين ويسمح بإعادتهم إلى تركيا، ورغم أن الاتفاق أدى إلى تراجع أعداد طالبي اللجوء إلا أن شكوكا حول صمود الاتفاق لطالما رافقت الاتفاق. ويرى

مراقبون أن الاتفاق كان منذ البداية هشا وزادته المحاولة الانقلابية هشاشة خصوصا مع تنامي الانتقادات الدولية الواسعة لحكومة رجب طيب أردوغان وتتالي ردود الفعل المنددة بالانتهاكات التي طالت حقوق الإنسان في أنقرة ، إذ شنت حكومة رجب طيب أردوغان عقب إفشال الانقلاب ، حملة اعتقالات وإقالات واسعة النطاق طالت الآلاف في مختلف دواليب الدولة وقطاعاتها المختلفة ، لتحمل معها خشية دولية من واقع حقوق الإنسان والديمقراطية في تركيا خصوصا وانّ تركيا لطالما واجهت انتقادات المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان نتيجة تزايد الاعتقالات في صفوف المعارضين والصحفيين والكتاب والمحامين والقضاة وغيرهم.ويرى مراقبون أنّ المحاولة الانقلابية الفاشلة أعطت حكومة أردوغان ضوءا اخضر لإعادة تشكيل الخارطة السياسية في أنقرة ،كما أنها رسمت واقعا جديدا لعلاقات الحكومة التركية بباقي دول العالم وخصوصا الغرب .

ويثير ابتعاد انقرة عن أوروبا خشية غربية من تقارب روسي تركي من شانه تغيير الوقع الجيوسياسي في المنطقة علما وانّ حكومة اردوغان لطالما هددت بوجود بدائل لها عن الانضمام الى الاتحاد الاوروبي الا وهو التوجه نحو الحلف الروسي الصيني والدخول إلى شنغهاي.

تاريخ العلاقات التركية الأوروبية ..جفاء دائم
من جهته قال الباحث المختص في الشؤون التركية دانيال عبد الفتاح في حديثه لـ«المغرب» أنّ «تركيا كانت تتوجه نحو الغرب منذ تأسيس الجمهورية عام 1923، لكن الغرب كان ينظر إليها دائما بعين الريبة والشك ، بسبب سياساتها القومية والعنصرية التي أنتهجها أتاتورك الذي أعلن عداءه للغرب بعد حروب الاستقلال التي خاضها مع جيشه في مواجهة سبعة دول غربية تكالبت على احتلال تركيا ونجحت في احتلالها فعليا لكن انسحبت منها في اتفاقية لوزان الثانية 1923 بعد نقض اتفاقية سيفر».

وأضاف عبد الفتاح أنّ هذه الحالة من الأخذ والردّ كانت مستمرة بين تركيا والغرب حتى يومنا الحالي ، مشيرا إلى انّ تركيا أردوغان توجهت نحو الانضمام الى عضوية الإتحاد حتى نهاية 2009 ، وانقلبت مع بداية الربيع العربي لدعم الشعوب على الحكومات العربية وأخذت شكلا متطرفا في الدعم للتيارات الإخوانية مما أثار حالة من التطرف في السياسات الداخلية والخارجية لأنقرة وفق تعبيره.

وتابع محدّثنا القول أن هذا التوجه الجديد أثار حفيظة الغرب وفجر عديد الأزمات بين الجانبين وصلت إلى حدود التهديد العلني من أردوغان باستخدام ورقة المهاجرين غير الشرعيين ، وابتزاز أوروبا عدة مرات بشكل واضح عبر استعمال قضية حماية الحدود الأوربية من تدفق الأصوليين والجهاديين من سوريا والعراق لتهديد أمن أوروبا. وأضاف «هذا مادفع أردوغان فيما بعد الى تهديد الإتحاد بوقف المفاوضات للعضوية ما لم يخضع لابتزازه بمنح الأتراك حق التجوال في منطقة الشنغن» .

وتابع محدّثنا «الصورة واضحة فعندما تتعنت أوروبا يقدم أردوغان على التهديد بالعلاقة مع الصين أو روسيا أو مع الاثنين معا عبر التفكير بالانضمام الى منظمة شنغهاي، وبما أنها منظمة أمنية بامتياز وشرقية بحكم الجيوسياسيّة فهذا التهديد يتم تفسيره أوروبيا بالرغبة في الانسحاب من ‘حلف الناتو’ ، كررت تركيا تهديداتها هذه مرارا لكنها في هذه المرحلة تعلم تماما الحاجة الفعلية لبقائها في عضوية الحلف ومن هذا المنطلق هي ذاهبة إلى المزيد من التهديد بالخروج من حلف الناتو والاقتراب رويدا رويدا من شنغهاي».

ضغوطات متبادلة
على صعيد متصل قال الباحث والمحلل اللبناني المختص في الشأن التركي علي مراد لـ«المغرب» أنّه بعد الانقلاب الفاشل والإجراءات التطهيرية التي اتخذها اردوغان في حكمه ، كان هناك ردة فعل أوروبية منتقدة وتوتر واضح في التصريحات بين دول الاتحاد الأوربي رفضا منها للاعتقالات والطرد التي طالت عشرات الآلاف من الموظفين والصحفيين والأكاديميين ، مشيرا إلى أن هذه الإجراءات وترت العلاقات بين الاتحاد وتركيا وزادت الشرخ أكثر .

وتابع مراد أن هناك أيضا عاملا آخر يتمثل في تصاعد الإرهاب الذي ضرب أوروبا تلاه لوم أوروبي لاردوغان وحكومته بأنهما يتحملان مسؤولية كبيرة في عملية إغراق أوروبا باللاجئين وبالتالي نجاح عدد من الإرهابيين في التسلل ضمن هذه الموجة ، مشيرا إلى وجود تخوّف أوروبي من هذه الخطوة استفاد منه اليمين الأوروبي بشكل خاص وسيستفيد منه أيضا في الانتخابات المقبلة في كل من ألمانيا وفرنسا والنمسا وهولندا وفق تعبيره .

وأكد محدّثنا أن ألمانيا باعتبارها الدولة الأكثر قوة سياسيا واقتصاديا في أوروبا علاوة على أن اكبر جالية تركية موجودة في برلين، فان حجم التوتر الظاهر في التصريحات الرسمية للبلدين يؤثر سلبا على العلاقات بين أنقرة والغرب عموما كون الألمان هم أكثر من يتصدون للسياسات التركية المنتهكة لحقوق الإنسان الى الصحافيين الأكاديميين والموظفين .

التوجه إلى الجنوب ؟
وأضاف الباحث اللبناني علي مراد أن اردوغان سيستفيد من دروس التاريخ عندما استعصى على تركيا التوجّه إلى الغرب باتجاه أوروبا في القرون الوسطى أيام الحكم العثماني في عهد السلطان سليم 1516 اتجه جنوبا، مؤكّدا أنّ المشكل الآن هو أن هناك حائط صدّ قويا يتمثل في سوريا والعراق وإيران، وهو ما حال دون تنفيذ أردوغان لطموحاته بالتمدّد ، مشيرا إلى أن أغلب التوقّعات تقول أن أنقرة ستتجه إلى التقوقع على نفسها بعد فشل سياسات تركيا الخارجية سواء مع دول الجوار العربية أو الدول الغربية .
واعتبر محدّثنا أنّ الابتزاز الذي حصل بين أنقرة والأوربيين في ما يتعلّق بقضية اللاجئين بهدف الدخول إلى الاتحاد الأوروبي ، لم ينفع مع الغرب بل زاد من التصلب الأوروبي إزاء تركيا. واعتبر محدّثنا أن تعويل تركيا على واشنطن وعلى وجودها في حلف ‘الناتو’ من اجل قبولها في الاتحاد الأوروبي فرصة مهدورة وغير نافعة ، مضيفا أن هناك تقاربا وشيكا ببين الأوروبيين والأمريكيين –خصوصا بعد وصول ترامب الى الحكم في أمريكا والتوقعات بوصول اليمن المتطرف إلى الحكم في عدة دول غربية .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115