وهو ما يمكن فهمه كعملية للتهرب من القضاء. وقرر البرلمان إثر ذلك تكوين لجنة تشمل 65 نائبا للنظر في «تنحية الرئيسة» من مهامها الرئاسية مع مطالبتها بالإستقالة الفورية.
إندلعت الأزمة في البرازيل منذ أشهر مع تكرر المظاهرات الشعبية المطالبة باستقالة الرئيسة ديلما روساف بسبب تفاقم الأزمة الإقتصادية ودخول البرازيل في ركود اقتصادي هو الأقوى منذ ثلاثة عقود حسب الخبراء. وسجل البرازيل في السنة الماضية ارتفاعا قياسيا في الأسعار وفي نسبة التضخم التي فاقت 10 % مع اتخاذ إجراءات تقشفية هيجت المعارضة السياسية و الشارع البرازيلي. وسجلت أسعار المواد الأولية ارتفاعا ملحوظا حيف قررت الحكومة الرفع في أسعار الماء (%14،75) والمحروقات (20 %) والكهرباء (51%) وتخفيض قيمة العملة بنسبة 30 % عام 2015 مقارنة بالدولار مما أجج الانتقادات للسياسات المتخذة. وكانت مظاهرات الأحد الماضي الأضخم في تاريخ البرازيل حيث جمعت أكثر من مليوني مشارك في كل المدن الكبرى البرازيلية. وتفاقمت الأزمة في الأسابيع الماضية مع اتهام الرئيسة بتزوير أرقام الميزانية العمومية لسنة 2014، سنة إعادة انتخابها والإقدام على نفس العملية سنة 2015. وزادت الأزمة حدة مع اتهام الرئيس السابق لولا دا سيلفا بالمشاركة في عملية فساد واسعة النطاق سجن من أجلها عديد السياسيين من كل الأحزاب وعدد كبير من النواب في البرلمان.
«التنظيف السريع»
يبدو أن النظام الحاكم في البرازيل ذا النزعة اليسارية منذ انتخاب لولا دا سيلفا عام 2003 أصبح في مأزق مع دخول الإقتصاد في ركود واستفحال الأزمة الإقتصادية التي مسّت القدرة الشرائية للفئات الضعيفة التي تعتبر السند الأساسي لحزب العمال الحاكم. لكن اكتشاف عمليات فساد تعلقت بالشركة العمومية للنفط «بيتروبراس» والتي تورط فيها عديد المسؤولين والنواب جعلت مجموعة «لافا جاتو» أي التنظيف السريع التي شكلتها المحكمة العليا الفدرالية والمتكونة من مجموعة قضاة في إطار الأيادي النظيفة تقوم بإيقاف مسؤولين في أجهزة الدولة وإحالتهم على القضاء بتهمة الفساد.
آخر المتهمين الرئيس السابق لولا دا سيلفا الذي يشتبه في أنه استعمل أموالا تم تبييضها لشراء منزل فخر. لكن الرئيس لولا أنكر ذلك واتخذ إجراءات سياسية للحفاظ على سلطة حزبه في الحكم . من ذلك أن تم تعيينه في رتبة وزير دولة مكلف بالديوان الرئاسي وهو منصب يمكنه من إدارة السلطة التنفيذية. وإثر تعيينه تم تنصيبه يوم الخميس الماضي رسميا مما يعطيه حصانة تجاه قاضي التحقيق. وبحكم الدستور البرازيلي فإن الهيئة القضائية الوحيدة التي يمكن أن تحقق معه في هذه المسالة هي المحكمة العليا الفدرالية التي يأمل أن تبطل الاتهام بسبب تعيين جل أعضائها من قبل الرئيسة ديلما روساف.
استرجاع سلطة مهزوزة
وبالرغم من مطالبة أحد أعضاء المحكمة بإبطال تعيين لولا في منصبه الجديد لا يعتقد الأخصائيون في القانون الدستوري أن يبطل ذلك تعيينه. بل بإمكان لولا البقاء في منصبه. الهدف من رجوع لولا للحكم له دوافع تهدف، من ناحية، إلى إعانة الرئيسة ديلما روساف على الخروج من الأزمة الإقتصادية ومن ناحية أخرى، إلى تحضير رجوع لولا لقصر الرئاسة وتأمل الرئيسة روساف أن يتمكن لولا بحكم الكاريزما والحنكة السياسية وشبكة العلا قات السياسية التي كونها في الحكم من إعادة إحياء الإقتصاد واتخاذ إجراءات تحد من التضخم وتعيد النمو الإقتصادي مما يخفف من حدة المعارضة الشعبية. لكن الأوساط المالية والإقتصادية في البرازيل عبرت عن رفضها لمواصلة حزب العمال إدارة شؤون البلاد مستغلة رياح التغيير التي تعصف حاليا بمختلف دول أمريكا اللاتينية بعد تصالح كوبا والولايات المتحدة الأمريكية. وهو ما تم تسجيله برجوع الأحزاب الليبرالية للحكم في عدد من الدول و إخفاق الرئيس موراليس في الإستفتاء الدستوري في بوليفيا.
لكن الهدف الرئيسي للولا داسيلفا يبقى التخضير لرجوعه الى قصر الرئاسة في برازيليا. لذلك يعتبر تعيينه على رأس ديوان ديلما روساف هو الخطوة الأولى نحو إعادة ترشيحه للإنتخابات الرئاسية لعام 2018. وهذا يحتم على لولا النجاح أولا في الإفلات من قبضة القضاء البرازيلي وثانيا قلب الموازين السياسية لصالحه واسترجاع ثقة الناخبين من الفئات الضعيفة التي أعطته ثقتها لولايتين.