إندلعت هذه الإحتجاجات بعد الهجوم على سيارتين للشرطة في مدينة فيري شاتيون وحرقها بزجاجات مولوطوف من قبل عصابة محلية من النشالين و متاجرين في المخدرات وخلف الهجوم المروع أربعة جرحى من أعوان الشرطة، إثنين منهم في حالة حرجة. ودعت النقابات يوم 11 أكتوبر الأعوان الى التظاهر أمام مراكز الشرطة. وأمام الصدمة العارمة في صفوف أعوان الشرطة ، وفي الرأي العام الفرنسي، قررت نقابات الأمن تنظيم مظاهرة سلمية . لكن أمام صمت المسؤولين في الإدارة على مطالب الشرطة في حمايتهم، تصاعدت الإحتجاجات مما أدى بمئات من الأعوان إلى اللجوء إلى التظاهر العشوائي.
انطلقت المسيرة من جهة «ليسون» عبر إرسالية قصيرة تعلم بوجود وفد أمام مستشفى سان لويس وهذا نصها:»أمام إداريين متعلقين بوظائفهم و نخبة نقابية غارقة في معاركها وعدالة لا تهتم بمصيرنا لا بد أن نوحد صفوفنا، بين حاملي الزي الأزرق». واجتمع 400 شرطي بطريقة عفوية أمام المستشفى قبل أن ينتقل الجميع إلى شارع شان إيليزي، قرب القصر الرئاسي مما أدخل الهلع في وزارة الداخلية التي اضطرت إلى غلق الشوارع المؤدية إلى قصر الإيليزي. وقال أحد المشاركين لقناة تلفزيونية:»هذا حراك غير نقابي، وهو رد على غياب إجراء حقيقي من الدولة».
مطالب مشروعة
ولم يفلح وزير الداخلية والمسؤولون في إدارات الأمن المختلفة في تهدئة الأوضاع بالرغم من فتح باب الحوار ومن الإجراءات التي أعلنها الوزير الأول مانويل فالس والمتمثلة في تجهيز سيارات الشرطة بزجاج خاص يحمي من الهجمات وبتوفير زي خاص يقي من النيران مثل الذي يحمله رجال المطافئ وأعوان الحماية المدنية. لكن أعوان الشرطة يشعرون أن الحكومة لا تكترث بوضعهم وأن الإجراءات الظرفية لا تحل المشكلة. وقد عبروا في مختلف أجهزة الإعلام عن رفضهم أن يقدموا قرابين للذبح والقتل دون تمكينهم من الدفاع الشرعي عن أنفسهم وهم يعملون على استتباب الأمن العام.
المطلب الأساسي لأعوان الشرطة يتمحور حول تمكينهم من استعمال سلاحهم في حالة تعرضوا إلى هجوم مثل ما هو الحال بالنسبة للجيش أو الحرس. لكن القانون الحالي لا يسمح لهم باستخدام أسلحتهم في حالات مثل هجوم فيري شاتيون وهو ما يرفضه أعوان الشرطة الذين يشعرون أنهم يواجهون، في حالة الطوارئ، مخاطر جسيمة وهم عزل. وعبر بعض النقابيين عن عدم فهمهم أن تمكنهم الدولة من حمل السلاح دون استعماله و قد أقر رئيس الدولة والوزير الأول أن «فرنسا في حالة حرب ضد الإرهاب». وعبرت كل الشخصيات السياسية من مختلف الأحزاب عن دعمها للشرطة في محاربتها للجريمة المنظمة والإرهاب واعتبر بعضهم أن مطالبهم مشروعة.
544 جريحا شهريا في صفوف الشرطة
و تشنجت الأوضاع بعد أن قرر مدير الأمن فتح تحقيق في المظاهرة غير القانونية معتبرا أن على أعوان الشرطة «واجب التحفظ» و أن المتظاهرين خالفوا قواعد العمل المعهودة. مما أضاف في تأزم الوضع. و لكن المناخ تحسن بتصريحات وزير الداخلية المساندة لرجال الأمن و الداعية إلى فتح الحوار للتوصل إلى حلول لتهدئة الوضع. ولم يتراجع مدير الأمن عن التحقيق الذي كلف به جهاز الشرطة.
في نفس الوقت اعتمدت نقابات الأمن لتبرير موقفها على الإحصائيات الرسمية التي تعتمدها الإدارة العامة للأمن والتي تشير إلى أن عدد الجرحى في صلب أجهزة الأمن ارتفع إلى 3267 جريحا منذ شهر جانفي 2016 بمعدل 544 شهريا وبنسبة ارتفاع قـــــدرت بـ 14 %. و يعزى هذا الارتفاع إلى المظاهرات ضد قانون الشغل و إلى المشاكل المتعلقة بمقاومة الهجرة غير الشرعية. لكن الهجمات المفاجئة ضد الشرطة لم تتوقف مثل التي حصلت في جهة مانت لا جولي.
وشهدت بعض الجامعات والمعاهد ظاهرة جديدة تتجسم في كتابات حائطية تدعو إلى قتل أعوان الشرطة. وذلك يدخل في جو عام من التشنج والعنف الذي طال قطاعات أخرى مثل أعمال العنف التي طالت المدرسين ومديري المعاهد في بداية السنة الدراسية. و سجلت حالات العنف هذه في مختلف الجهات الفرنسية مما أدى بوزير الداخلية إلى اتخاذ إجراءات إضافية لحماية المعاهد والمؤسسات التربوية مستعملا في ذلك ... أعوان الأمن الذين يضطرون يوميا إلى اللجوء إلى ساعات إضافية مما ينهكهم أكثر من قبل.
و بالرغم من الأصوات في الأحزاب و في منظمات المجتمع المدني المساندة للشرطة فإن الشعور بتأزم الوضع جعل بعض المحللين يلوح ب «انهيار النظام المجتمعي» وب»الحريق»القادم الذي يمكن أن يلهب الأوضاع أكثر. أما بعض السياسيين في أحزاب اليمين السياسي، الذي دخل في تصفيات الرئاسية، فيلوحون بدخول فرنسا في «حرب أهلية» مع تنامي مظاهر الإجرام والإرهاب و العنف ضد أعوان الأمن. وهي ظواهر غير صحية تدل على مرض ينخر جسم المجتمع. في نفس الوقت قررت احدى أهم نقابات الشرطة لفورس أوفريار دعوة كل المنظمات النقابية التابعة للشرطة الى المشاركة في «مسيرة غضب المواطنة» يوم 26 أكتوبر القادم.