و كذلك رئيس المفوضية الأوروبية جون كلود يونكر. وأعطت هذه المناورات قبل القمة انطباعا يطغى عليه الإنقسام بين الجنوب و الشمال من ناحية وغرب وشرق أوروبا من ناحية ثانية. وتوصلت هذه القمة إلى رسم «خريطة طريق» في انتظار استكمال كل جوانبها بمناسبة قمة روما في الربيع القادم التي سوف يحتفل فيها الإتحاد بعيد ميلاده الستين.
دخلت دول الإتحاد الأوروبي قمة براتيسلافا منقسمة بين من ينادي بتغيير السياسات الاقتصادية لضمان النمو و التنمية و من يركز على حل مشكلة اللاجئين بترجيح القرارات الوطنية خارج الوفاق الأوروبي و من يطالب بالتمسك بسياسة الاستقرار ومن يرفضها بحجة التضامن الأوروبي. و سعت الدبلوماسية الأوروبية و خاصة منها الألمانية والفرنسية الى نزع الألغام التي يمكن أن تعصف بالإتحاد الذي لم يتعاف بعد من صدمة خروج بريطانيا.
الخطوة الأولى التي اتضحت بعد نهاية القمة التي جرت خلف أبواب مغلقة أن أجندة الاجتماعات لم تتطرق للمواضيع التي تغضب البعض والتي هي محل خلاف مثل قضية المديونية والنمط الاقتصادي المتبع وموضوع الهجرة وتقوية منطقة اليورو. وفرض الثنائي الفرنسي الألماني فكرة التخلي عن المطالب القومية مقابل التركيز على الوفاق الأوروبي حول نقاط أساسية تساعد على الخروج من أزمة البريكسيت وتؤسس للإتحاد أوروبي في لباس جديد يجلب له تأييد الرأي العام وتتمحور حول «خارطة طريق» في ثلاث نقاط تهم الأمن الأوروبي والنمو الاقتصادي والنهوض بالشباب.
إنشقاقات خطيرة
بانت الفجوة بين مجموعات مختلفة من البلدان الأعضاء منذ قمة أثينا لدول البحر المتوسط التي نادت بالتخلي عن السياسات التقشفية التي تفرضها ألمانيا و إتباع سياسة تنمية و إدخال بعض المرونة في التعامل مع ميزانيات الدول الأعضاء. وكانت مجموعة دول شرق أوروبا رفضت سياسة «التضامن» الأوروبي في شأن تقسيم أعداد اللاجئين على الدول الأعضاء. و اتخذت بولونيا والمجر إجراءات داخلية لا تتماشى ومبادئ الإتحاد و تهدد مبدأ التمسك بدولة القانون. مما جعل ممثل اللوكسمبورغ ينادي باقصاء المجر من الإتحاد ما دام لا ينضبط للقوانين المشتركة للإتحاد.
من ناحية أخرى تجد إيطاليا واليونان صعوبة في تمرير فكرة التخلي عن السياسات الإقتصادية الحالية. و لم يحض مطلبهما باستحسان القمة . هذا ما جعل ماتيو رنزي الوزير الأول الإيطالي يرفض المشاركة في الندوة الصحفية الختامية بمعية كيركل و هولاند قائلا: «أنا لا أرى نفعا في المشاركة في قراءة نص لا أتفق مع بنوده». وهو ما أكد الإنقسامات الحادة التي يمكن أن تشكل عثرة في مستقبل إعادة ترتيب البيت الأوروبي.
خريطة طريق محتشمة
بعد قرار إزاحة المواضيع الشائكة من النقاش، بما في ذلك مشكلة البريكسيت، ماذا تبقى للدول الأوروبية الأعضاء؟ خرجت القمة بمقترح خارطة طريق تركز على ثلاث قضايا أساسية يمكنها أن تدعم لحمة أوروبا وهي الأمن و النمو و الشباب. و لم تهتم القمة بالمشاكل الأساسية التي تهدد وجود الإتحاد مثل العملة الأوروبية و المديونية وسياسة التقشف و الهجرة و اللاجئين وصعود اليمين المتطرف.
ركزت القمة على تدعيم الأمن الأوروبي بإعطاء الأولوية لحماية الحدود الخارجية و العمل ضد الهجرة غير الشرعية و التفكير جديا في تكوين جيش أوروبي. و لم تذكر القمة حجم ميزانيات هذه المشاريع. في المرتبة الثانية تقرر قبول مخطط رئيس المفوضية بتقوية ميزانية الإستثمار الأوروبي و رفعها ل 600 مليار يورو. أما الملف الثالث وهو النهوض بالشباب فقد يعتمد الإتحاد على مشاريع مستقبلية لتكوين الشباب و دعم تنقلهم في دول الإتحاد.
كل هذه البنود في خارطة الطريق تبدو بعيدة كل البعد عن واقع المشاكل التي تتخبط فيها الدول الأعضاء ومنها فرنسا و إيطاليا ودول جنوب أوروبا. إرجاء الحلول الموجعة إلى ما بعد الإنتخابات القادمة في فرنسا و ألمانيا خاصة المبرمجة لعام 2017 لا يخدم تماسك الإتحاد. و لكن يمكن أن يعمق الأزمة الخانقة التي تعيشها بعض الدول وتهدد مجددا وحدة أوروبا.