ويرى مراقبون أنّ الضربات الموجعة التي تلقتها أوروبا في الآونة الأخيرة ، دليل واضح على بداية حرب بينها وبين الإرهاب مرورا بـ «تنظيم القاعدة» وصولا إلى تنظيم «داعش» الارهابيين والخلايا النائمة التابعة لهما، وعلى الرغم من الاستعدادات الأمنية الكبرى التي اتخذتها العواصم الغربية عامة وبلجيكا خاصة ضد هجمات إرهابية «متوقعة»، فان مراقبين اعتبروا هجمات باريس بروسكل وألمانيا فشلا أوروبيا ذريعا في التصدي للإرهاب ومؤشرا على أنّ الاستهداف الإرهابي للقارة العجوز سيستمر ويتزايد في المستقبل ، وهو مايفرض إعادة النظر في إستراتيجيتها الأمنية المقبلة.
مقاربات مختلفة
من جانبه قال الباحث والمحلل السياسي المغربي مصطفى الطوسة في حديث هاتفي لـ«المغرب» ان غياب سياسة أوروبية مشتركة لمحاربة الإرهاب و محاربة خطاب التطرف تؤثّر دون شك على طريق حرب أوروبا ضدّ الإرهاب. مضيفا انّ المقاربة الخاصة لكل بلد أوروبي والتي تنطلق من ثقافته الخاصة ومصالحه الوطنية ،زادت من تعقيد هذه المواجهة بين القارة العجوز والتطرف وفق تعبيره.
وأشار محدثّنا إلى انّ قضية مثلا «البوركيني» التهب جدلها في فرنسا، لكن في دول أخرى لم تجد نفس التفاعل في مجتمعات أخرى مثل ألمانيا أو ايطاليا وبريطانيا ، مضيفا انّ وجود هذا الاختلاف في الثقافات والمقاربات يجعل من الصعب مجتمعيا تبني أوروبا مقاربة مشتركة لمحاربة التعبير عن التطرف.
واعتبر الطوسة أن طرق التعامل مع الديانة الإسلامية تختلف أيضا من دولة أوروبية إلى أخرى ، متابعا أنّ «بريطانيا والنموذج الانقلوسكسوني يمنح لمختلف الجاليات حرية التعبير وحرية الظهور في الفضاء العام وحرية تنظيم هذه الديانة بمختلف وسائلها، في حين في أنّ النظام العلماني في فرنسا يريد تأطير هذه الديانة بالانتماء إلى الفضاء الخاص ولا يريد لها الخروج إلى الفضاء العام كي لاتؤثر على طريقة تدبير وإدارة الشأن العام في فرنسا«.
وأضاف محدّثنا «هذا مجتمعيا أما على صعيد استخباراتي فهناك فرق كبير انطلاقا من الثقافة الاستخباراتية لكل بلد ، فطريقة تعامل الألمان مع الخلايا الإرهابية تختلف تماما عن الأسلوب المتبع في فرنسا أو بلجيكا ، فهذا الاختلاف يجعل من الصعب التوصل إلى سياسة استخباراتية مُشتركة تفضي إلى تعاون وتبادل كثيف للمعلومات مما يعطي فاعلية وجدية اكبر للحرب على الإرهاب».
عوائق استخباراتية
واعتبر محدّثنا انّ هذا أيضا يمثل عائقا يمنع ظهور وكالة استخباراتية أوروبية مشتركة تكون لها مقاربة شاملة هدفها حماية التراب الأوربي بمختلف أرجائه وبنفس الأسلوب والآلية على حد قوله.
وتابع الباحث والكاتب السياسي المغربي ان «افتقار أوروبا إلى سياسة دفاع مشترك وغياب جيش مشترك يمنعها من دخول الحرب ضدّ التطرف والإرهاب من الباب الكبير ، مشيرا إلى انّه بعد خروج بريطانيا ارتفعت أصوات تنادي بضرورة بلورة نواة جيش أوروبي مشترك يكون تحت سياسة دفاع مشترك ،لكن العائق الذي يمنع ذلك هو الارتباطات المختلفة التي تقيمها دول الاتحاد الأوروبي مع المنظومة الأطلسية (حلف شمال الأطلسي الناتو) الذي ينصب نفسه سلاح القارة الذي يحميها ويدافع عن مصالحها، وبما انه كان أداة للحرب الباردة بقيادة أمريكا تبقى الولايات المتحدة مقتنعة ان أوروبا لاتحتاج لجيش أوروبي مستقل وان حلف الأطلسي قادر على حمايتها لذلك هي وبريطانيا كانتا ولازالتا تعارضان إنشاء نواة جيش أوروبي مشترك «.
وشدّد الطوسة على أن أوروبا تخوض حربا شاملة ضد الإرهاب لكن بمقاربات وطنية ضيقة وهو مايقوض من فاعلية الحرب ونجاعتها ويقلص من نتائجها القريبة. كم أشار الطوسة إلى الاجتماعات الحالية لوزراء داخلية الدول الأوروبية والمسؤولين الأمنيين الأوروبيين في محاولة لخلق تتناغم وتناسق بين مختلف السياسات انطلاقا من وجود تهديد مشترك يلقي بظلاله القاتمة على المنطقة الأوروبية .
«الإسلام الفرنسي «
على صعيد متصل وبعد تداول وسائل الإعلام الفرنسية لمصطلح «الإسلام الفرنسي» بشكل مكثف ، قال محدّثنا ان هذا المصطلح عنوانه محاولة قطع الصلة التي تربط مسلمي فرنسا بتأثيرات مختلف البقاع العربية التي يقال انه يمارس فيها إسلام متطرف وانه يلهم العمليات الإرهابية مثل دول آسيا والخليج ، مشيرا الى انّ فرنسا تريد إقامة سد بين جاليتها المسلمة وبين تأثيرات هذه الفضاءات متخذة بذلك قرارين في محاولة للقضاء على هذا التأثير ، اولهما منعها التمويل الخارجي للمساجد لتضمن تمويلا فرنسيا وأوروبيا وذلك لمواجهة الخطاب الديني والأجندة السياسية الموجهة. وثانيهما تكوين الأئمة على التراب الفرنسي ليكون لديهم علاقة مباشرة مع الثقافة العلمانية وقيم الجمهورية لضمان نشر إسلام معتدل خال من العنف.
استحقاقات واختراقات
وعن تأثير المقاربة الأمنية في أوربا على الاستحقاقات الانتخابية القادمة في اغلب الدول الغربية أجاب محدثنا ان كل الاستحقاقات الأوروبية القادمة مهددة بالاختراق من طرف المد الشعبوي الديماغوجي المتطرف ، مثلا اليمين المتطرف في فرنسا وبلجيكا الذي يستغل الخوف لدى المجتمعات الغربية تحت تأثير الإرهاب وموجات الهجرة
وأشار الطوسة الى انّ كل استطلاعات الرأي تعطي الانطباع عن إمكانية فوز هذه القوى الحاقدة بتحقيقهم اختراقات والوصول إلى مراحل متقدمة. وشدّد الكاتب السياسي المغربي على انّ التحدي المطروح حاليا يتمثل في المنعطف الخطير والحاد الذي تمر به أوروبا والذي يفرض على الجاليات المسلمة قطع العلاقة بينها وبين التيارات الجهادية ذات الفكر المتطرف واثبات اعتدال الإسلام وسلميته.