المخطط الوزاري لإعادة هيكلة الإسلام الفرنسي هو نتيجة لعمل عدة لجان منذ اشهر انكبت على بلورة بعض المسالك لحل المشاكل المتعلقة بتمويل الجوامع والهيئات الإسلامية وتكوين الأئمة ونشر ثقافة تقاوم المد الراديكالي والتكفيري في الأوساط الاجتماعية الشعبية والتوصل إلى دمج المسؤولين الإسلاميين في فرنسا في مخطط مقاومة الإرهاب. وأفرزت النقاشات توجهات لإعادة النظر في المؤسسات القائمة وتنشيط أخرى.
بعد التشاور مع مختلف الجهات المرتبطة بالشأن الإسلامي من جوامع وجمعيات وشخصيات مستقلة، أعلن برنار كازنوف في ندوة صحفية يوم 29 أوت عن جملة من الإجراءات تهم إعادة هيكلة أربعة قطاعات وهي مؤسسة الإسلام الفرنسي وتمويل الجوامع والمساجد وتكوين الأئمة الفرنسيين وتمثيلية المسلمين في هياكل جديدة.
مؤسسة الإسلام الفرنسي
قرر الوزير قبر مؤسسة شؤون الإسلام الفرنسي التي بعثها الوزير الأول الأسبق دومينيك دو فيلبان عام 2005 و تركيز مؤسسة الإسلام الفرنسي محلها. هذه المؤسسة التي من المنتظر أن يترأسها الوزير السابق جون بيار شوفانمان لن تهتم بالمسائل المتعلقة بالشعائر الدينية بل سوف تعمل على بلورة خطاب ثقافي معتدل تجاه المجتمع الفرنسي وسوف تصاحب الخطوات القادمة لإعادة هيكلة القطاع خاصة في مسألة تمويل دور العبادة. وهو ما يمكن أن يفهمه البعض بخلق هيكل موازي يعمل على «مد جسر بين الجمهورية ومسلمي فرنسا»، حسب عبارة برنار كازنوف في لقائه الصحفي مع جريدة «لاكروا» المسيحية.
وسوف يتم تأسيس جمعية خاصة تعنى بمراقبة و إدارة تمويل بناء الجوامع انطلاقا من ميزانية المؤسسة التي تم حلها. وسوف تنظم هذه الجمعية دروسا تكوينية في القانون و التاريخ للأئمة الفرنسيين ولا تتدخل في التكوين الديني. يبقى السؤال العالق. من سيتولى تكوين الأئمة «اسلاميا»؟ هل سوف تعهد هذه المهمة للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أو لهيئة أخرى؟ المعضلة التي لا يجيب عليها هذا المشروع هو من سيتولى مسؤولية التكوين الديني للأئمة في حالة يمكن للمصلين، حسب التقاليد الإسلامية، اختيار أحد منهم ليؤم الصلاة. المشروع المطروح للنقاش لا يقدم أية توجه في الموضوع. لكن برنار كازنوف أكد أن «مقاومة الإسلام الراديكالي لا يمكن أن نقوم بها، في أية حال من الأحوال، ضد مسلمي فرنسا الذين هم في غالبيتهم جمهوريون يرغبون في ممارسة دينهم بصورة سلمية. هذا النضال من أجل المجموعة الوطنية لا بد أن نخوضه معهم».
إعادة هيكلة التمثيلية
الجانب الآخر من إعادة النظر في الإسلام الفرنسي يتعلق بتمثيلية المسلمين في الهياكل الموجودة. من ناحية تشعر السلطات أن المجلس الحالي ليس له سلطة على الجماعات الراديكالية وليس له خطة في مقاومة الحركات التكفيرية والإرهابية في حين يتجه الرأي العام الفرنسي نحو مقاومة الفكر السلفي وتبعاته الاجتماعية من لباس وأكل وطقوس. من ناحية أخرى تعالت الأصوات من الجالية المسلمة في فرنسا منادية بفك الارتباط بين المجلس والجمعيات التي تهيمن عليها حركات إسلامية مثل الإخوان المسلمين والحركات الوهابية والتي تمسك بزمام الأمور في الجوامع والمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية.
آخر النداءات نشر يوم 29 جويلية في جريدة لوجورنال دي ديمانش وقعته 41 شخصية مسلمة من المجتمع المدني الفرنسي، من بينها أسماء تونسية مثل ناجي الجويني و المهدي حواص الوزيرين الأسبقين، وتضم شخصيات، من أصل عربي وإفريقي أساسا، تنتمي إلى الجامعات والمستشفيات والقطاع الإقتصادي والفكري. وتطالب هذه الشخصيات بتحمل مسؤولياتها في المشاركة في الهياكل التي تمثل المسلمين في فرنسا وعدم تركها للجمعيات السلفية والراديكالية.
لكن إعادة هيكلة المجلس الإسلامي ليس بالأمر الهين لما لذلك من تداخل مع السياسات الرسمية والإقتصادية للبلاد. وقد يتداخل الدبلوماسي مع الديني مع المالي للتصدي لهذا المشروع. ويعلم الجميع ترابط العلاقات مع الجزائر والمغرب وتركيا في تمويل وإدارة الجوامع في فرنسا وقيادة الصلاة فيها والدور الفعال الذي تلعبه كل من قطر والمملكة العربية السعودية في تمويل نشر الإسلام في فرنسا وأوروبا عبر الهياكل التي تمولها مباشرة أو بطريقة غير مباشرة عبر المؤسسات الخيرية الخليجية. وهو ملف شائك يفتحه برنار كازنوف ولا يعلم أحد في باريس أين سيصل به في حدود شهر ديسمبر 2016، الموعد الذي ضربه الوزير لهيئات الخبراء التي سوف تعمل على بلورة المشروع النهائي قبل أن تنطلق الحملة الرئاسية الرسمية لعام 2017.