• كيف تقيمون المعركة الدائرة في سرت حاليا ضد داعش الارهابي وبرأيكم هل ستأتي اكلها بالقضاء على الارهاب؟
لمحاولة تفسير المعركة في سرت يجب استدراك شيء من تاريخ هذه المدينة.
فقد نالت هذه المدينة إهتماما لا يقل عن الاهتمام بطرابلس ومصراتة والجفرة وغيرها من المدن الليبية قبل انطلاق الأحداث في ليبيا، نظرا لموقعها الإستراتيجي وقربها من مناطق إنتاج النفط وكذلك لأن الغالبية العظمى من سكانها وقفت ضد دول حلف الناتو التي هاجمت ليبيا . ولأنها آخر مدينة سقطت بقوة الناتو في أيدي المتمردين فقد عاثوا فيها فسادا و إفسادا حتى تاريخ انسحابهم منها في فيفري 2015 في معركة صورية بين تنظيم داعش الارهابي ومليشيات فجر ليبيا والتي في الحقيقية كانت عملية تسليم وإستلام بينهما، وذلك بعد أن تم نزع جميع انواع السلاح من سكان المدينة. هنا اريد ان اذكر بان مدينة سرت لها خصوصية قبلية اذ يقطنها العديد من القبائل الليبية بما فيهم قبيلة القذاذفة التي لا تمثل النسبة الأكبر من سكان المدينة، الامر الذي سهل مهمة تنظيم داعش الارهابي وامكنه من السيطرة على المدينة بمؤسساتها وباقي سكانها. و قام التنظيم بالعديد من العمليات الإجرامية تحت مسمى الاحكام الشرعية متهما الآخر بالرد و الكفر تارة و تارة بالمخابرات و أخرى بممارسة سلوكيات تنافي الإسلامي.
وبعد أن بسط التنظيم الارهابي سيطرته على المدينة أعلن الجيش الليبي عزمه على إطلاق حملة لتطهير سرت، فسارعت بعض الدول الى دعم حكومة السراج ودفعها لإطلاق حملة سميت «بالبنيان المرصوص» ضد تنظيم داعش الارهابي.
هذه الحرب التي تشابه كثيرا حرب التحالف ضد التنظيم في سوريا، و تم إطلاق الحملة مباشرة بعد الإعلان الروسي عن توجيه طائرات مراقبة فوق الأجواء الليبية. ومنذ إطلاق الحملة بداية شهر جوان بإعلان تشكيل غرفة عمليات بناء على قرار حكومة السراج ، و المعارك لا تزال مستمرة وآثارها كبيرة على البشر و المدينة، ومع الأيام تكشف أن تبعية هذه القوات تبعية صورية لحكومة السراج وقد صرح الأمين العام للأمم المتحدة بذلك في آخر تقرير له بخصوص ليبيا.
وقد صدرت تقارير تشير إلى ارتفاع مخزوني النفط والغاز في ليبيا، النفط إلى 74 مليار برميل (ليبيا الخامسة عالميا) والغاز إلى 177 ترليون متر مكعب، وهذه الكميات تتواجد بالجنوب الغربي من ليبيا ويعتبر هذا سبب آخر لأن يتم إعادة نشر داعش الارهابي بالمنطقة وما عمليات سرت إلا غطاء لانتقال التنظيم الارهابي إلى الحدود الغربية الليبية حيث تونس والجزائر.
اضافة الى ذلك فان قيادة مجلس شورى ثوار بنغازي مرتبطة مع تنظيم داعش الارهابي -وفقا لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة الأخير – وقد تواجدوا في الزاوية تزامنا مع التدخل الأمريكي الإيطالي الإنقليزي العسكري في معركة سرت و قد اختفت عناصر التنظيم الذي أعلن سابقا أنها تقارب 7000 مقاتل ومقاتلة ومن المرجح تواجدهم غرب البلاد.
• ما رأيكم بالغارات الامريكية على سرت وهل انتقلت عمليات التحالف الدولي الى ليبيا؟
ان التدخل الامريكي هو تجاوز لسيادة الشعب العربي الليبي، فحكومة السراج توافقت عليها مجموعة من الدول ذات المطامع في ليبيا ونسبت ذلك التوافق إلى الليبيين مع العلم أن نسبة كبيرة جدا من الشعب الليبي لم تشارك لا في انتخابات المؤتمر الوطني ولا مجلس النواب و كذلك في اختيار حكومة السراج و لم يشارك الليبيون اصلا في اختيار المجلس الانتقالي الذي تم إنشاؤه في فرنسا.
فذلك التدخل سواء الأمريكي أو غيره هو مرفوض رفضا قاطعا وستتم محاسبة كل المشاركين في هذا الشأن.
والتدخل الأمريكي خاصة هو تدخل لحماية عناصر أساسية ومهمة من عناصر التنظيم وإعادة نشرهم لخطوة قادمة ... مازالت ذاكرة الأمة تحفظ قول التحالف ضد تنظيم داعش الارهابي في سوريا أن مواجهته تحتاج لعشرات السنين و ما أن تدخل الروس حتى تغيرت الأرقام. نعم إستئصال تنظيمات الرعب هذه نهائيا قد تحتاج لذلك الزمن لكن القضاء على سطوتها لن يحتاج إلا إلى الحزم.
ومن جانب آخر تدخلت دول أخرى بأشكال أخرى عديدة بعد أن تركت الأمم المتحدة المساحة أمامها مفتوحة وغير ممنوعة.
فما تقوم به الأمم المتحدة من خلال بعثتها و أجهزتها الأخرى بادارته في ليبيا هو صراع أجزاء من طيف واحد وتركت باقي مكونات الشعب الليبي خارج إدارة الأزمة، فكانت الأطراف الليبية الأخرى محل طمع لدول أخرى متضاربة المصالح، منها العربية و منها الإسلامية.
• تحدثت عديد التقارير عن تواصل حالات انتهاك حقوق الانسان في ليبيا، فكيف تنظرون الى هذه الانتهاكات كناشط في المجتمع المدني وكيف السبيل لايقافها؟
ان كل تلك التدخلات الخارجية خلقت مجموعة مسلحة ميليشياوية ارتبطت بأجندات خارجية وتغلغلت فيها العناصر الأجنبية وتمايزت عن بعضها بالايدلوجيات والتبعية مما خلق صراعا بينيا في شكل صدامات مسلحة لم يراع فيها المدنيون وانتهكت فيها حقوق الإنسان.
التهجير القصري، النزوح الداخلي، الإعتقال التعسفي، السجون السرية، السجون العلنية خارج أطر الشرعية المزعومة، التعذيب، الخطف و الابتزاز، القتل والسحل و قطع الرؤوس والشنق في الشوارع، السرقة بالإكراه .... و غيرها من جرائم الحرب و جرائم ضد الإنسانية وقد تم توثيق جزء منها على موقع خاص.
• ما هي ابرز التحديات امام حكومة السراج وتقييمكم لأدائها؟
ما بني على باطل فهو باطل، هكذا يمكن وصف حكومة السراج.
الصخيرات وما جرى من أكاذيب لا تخفى على المبصر للواقع الليبي وبإمكانه كشف بطلانه وبطلان ما بني عليه. ومع ذلك لم تستطع حكومة التوافق الدولي أن تجتاز أبسط تحد إلا وهو الإنتقال بحرية وسلاسة داخل العاصمة وظلت تلك الحكومة محشورة في زاوية ضيقة حتى بعد أن حاولت أن تتفق مع المليشيات وتشرعنها من خلال إدماج المليشيات في الحرس الرئاسي.
و لم تنجح هذه الحكومة إلا في أمر واحد و هو توفير غطاء للتدخل الأجنبي بالوطن مع أنها لا تملك منح ذلك الغطاء وبمعرفة من إستخدام ذلك الغطاء.
• لو تفسر لنا تداخل الدور القبلي في الصراع السياسي القائم وانعاكساته ؟
القبائل الليبية هي منظومة اجتماعية لها خبراتها التاريخية ولها عقلها الممتد إلى عمق التاريخ متعايشا مع الحاضر خدمة للمستقبل. وهي ليست بديلا عن الدولة بل هي اللبنة الأساسية لبناء الدولة. فأبناء القبائل هم المحامون و العلماء والمفكرون والمبدعون والأطباء والفلاحون. وهم ابناء هذا المجتمع.
لذلك حينما يُراد حل المشكلات الليبية سيتجه الجميع إلى بيت الحل وهو القبائل الليبية التي اجتمعت عديد المرات في لقاءات كبيرة على أرض الوطن .