إذ يرى مراقبون انّ سياسة المُهادنة التي باتت تتبعها تركيا تجاه الأزمة السورية تأتي نتيجة عدة عوامل داخلية وأخرى خارجية اجبرت انقرة على تغيير موقفها من الأزمة السورية رغم إرهاصات مثل هذه الخطوة، وتداعياتها على عدة ملفات على غرار العلاقة بين تركيا والمعارضة السورية بالإضافة إلى العلاقات التركية السعودية ومدى تأثرها بالمتغيرات الأخيرة .
ان يستبعد متابعون للشأن السوري أن يساعد الموقف التركي الجديد في التوصل إلى حل للأزمة السورية ، يؤكّد شقّ آخر أنّ هذه السياسة الجديدة من شانها تليين مسار الأزمة المحفوف بالعراقيل والصعوبات.
يشار إلى أن تركيا تمسكت منذ اندلاع الأزمة السورية سنة 2011 بضرورة إسقاط نظام بشار الأسد ، مؤكدة دعمها للمعارضة السورية ، لكن التحولات الميدانية الأخيرة وتزايد نفوذ الأكراد شمال سوريا عجّلت بتغير موقف أنقرة حيال الأزمة برمتها ، حيث يرى متابعون ان أردوغان استشعر قرب نجاح الأكراد في إقامة كيان مستقل بهم شمال سوريا ، وهو مايمثل تهديدا وجوديا لها . ورغم ان الصراع الكردي التركي ليس بجديد وليس أيضا السبب الوحيد في تغير موقف أردوغان من سوريا ، الاّ انه يعدّ الواعز الأهم للسياسة الخارجية الجديدة التي باتت تنتهجها حكومة أردوغان عقب محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا ومحاولة حكومته انتهاج سياسة «الصفر مشاكل».
إعادة التموضع السياسي
من جهته قال الباحث الأردني المختص في الشؤون الدولية د. عامر سبايلة لـ»المغرب» انّ هناك واقعا جديدا تفرضه معطيات الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، معتبرا أن محاولة الانقلاب في تركيا قدمت للرئيس رجب طيب أردوغان فرصة ذهبية لإعادة التموضع السياسي وانتهاج نهج براغماتي قادر على إحداث تغيير حقيقي في السياسة التركية والخروج من مأزق خيارات المرحلة السابقة.
وتابع السبايلة أنّ حكومة العدالة والتنمية انتهجت منذ خروج احمد داوود أوغلو سياسة تهدف إلى الخروج من مأزق العزلة الدولية عبر التلويح بالانقلاب على المواقف السابقة للحكومة التركية خصوصاً مواقفها من دول الإقليم و روسيا.
وأضاف المحلل الأردني انّ الخطوات العملية لهذا التحول التركي بدأت فعلياً مع زيارة الرئيس أردوغان إلى سان بطرسبرغ الروسية والاتفاق على تحديد أولويات جديدة في طبيعة التعاطي التركي مع الأزمة السورية.
واعتبر محدّثنا أنّ الأولوية التركية الحالية المتمثلة في مواجهة مشروع الدولة الكردية ،تضع تركيا وسوريا وإيران في مصاف الدول المتضرّرة من مشروع الدولة الكردية.مشيرا إلى أنّ المصلحة المشتركة لهذه الدّول تجعل من مشروع الدول الكردية قاسماً مشتركاً لصيغة تفاهمات جديدة، الأمر الذي يفسر الحديث التركي المتكرر مؤخراً عن ضرورة حماية وحدة الأراضي السورية، وهو تعبير عن قناعة تركية بأن استمرار الأزمة السورية ووصولها إلى نقطة المساس بوحدة الأراضي السورية سيكون انعكاسه الأكبر على الدولة التركية في المقام الأوّل وفق تعبيره.
أكد محدّثنا التغير في طبيعة التعاطي التركي مع الأزمات في المنطقة وعلى رأسها الأزمة السورية بات يمثّل عامل التغيير الأكبر، مضيفا أنّ التقارب الروسي التركي يعني أنّ أنقرة لم تعد تتعاطى مع الأزمة السورية ضمن الخطوط الحمراء السابقة، خصوصاً في ما يتعلق برؤية إسقاط النظام في سوريا او إطالة امد الأزمة على حدّ قوله.
اعتبر الباحث والمحلل السياسي الأردني أنّ تركيا ستسعى إلى استثمار هذا التقارب حصرياِ لإفشال مشروع الدولة الكردية، مشيرا الى أن سياسات كثير من الدول الكبرى تتماهى بوضوح مع هذا المشروع.
الموقف الأمريكي
أضاف د. عامر السبايلة أن الولايات المتحدة تجد نفسها اليوم مضطرة للتحرك على الأرض في سوريا دون وسطاء أي أنّ تركيا و سياستها في سوريا و خصوصاً في الشمال السوري لم تعد تصب في خانة الولايات المتحدة ومبدأ توازن القوى على الأرض والذي كانت تحدثه السياسة التركية و تستثمره واشنطن سياسياً.
وتابع «الأحداث الحالية تشير بوضوح إلى ارتفاع في احتماليات التصعيد القادم في الشمال السوري خصوصاً في المناطق التي تسيطر أو قد تسيطر عليها القوات الكردية. السياسة التركية الحالية قد لا تعيد خلط أوراق الأزمة السورية فقط بل قد تؤسس إلى تغير ملفت في طبيعة وشكل الأزمات في المنطقة. و يبقى السؤال الأهم يتمحور حول حقيقة التغير التركي وأن كان هذا التغيير منهجياً ام تكتيكاً مرحلياً، و كذلك قدرة السياسة التركية على إحداث مثل هذه التحولات التي قد لا تتقاطع مع سياسة حلفاء أنقرة التاريخيين وقدرة أنقرة علي التعاطي مع الانعكاسات الامنية التي قد تطال الداخل التركي الناتجة عن مثل هذ التحولات».