المتتبع لأحداث الشرق الأوسط لا بد أن يلاحظ أن أمريكا جلبت كافة الدول الحليفة لها لتغيير معادلة الشرق الاوسط، مرةً بحجة إرساء الديمقراطية، ومرة بحجة محاربة «داعش»، ببساطة شديدة ما إن بدأت الأزمة السورية حتى بدأت ملامح الإستراتيجيات الإقليمية والدولية تتضح شيئاً فشيئاً من سوريا، فرسمت تركيا رؤيتها لتحقيق مكاسب سياسية وإستراتيجيّة من خلال سياساتها المتهورة في دعم المسلّحين والمتطرفين في سوريا.
أما أمريكا فذهبت في اتّجاه إطالة أمد النزاع وذلك من أجل تركيع سوريا ضمن محاولات فك التحالف الإستراتيجي الذي يربط سوريا مع محور المقاومة ضمن مخطط يضمن للغرب تأمين أمن إسرائيل. اليوم وبعد مرور أكثر من خمس سنوات من ممارسة تلك الأساليب الملتوية والتي اعتمدت لها أموالاً طائلة للوصول إلى الهدف الرئيس ألا وهو تقسيم سوريا وإسقاط النظام هناك، كانت تركيا صاحبة الحضور الأبرز فيها والمدبر والممول لمعاركها والمستفيد الأول من نتائجها، كونها تمارس تأثيراً قوياً على المعارضة المسلّحة وتدعم جماعات متطرفة تعمل تحت واجهات إسلامية إذ تزود مقاتليها بالمال والسّلاح، في هذا الإطار تتهم مختلف وسائل الإعلام العالميّة على أنّ التنظيمات الإرهابيّة المتورطة في ارتكاب أبشع الجرائم في سوريا تستمدّ تمويلها ودعمها من تركيا وحلفائها إذ أنّ أكثر من90 % من الإرهابيين الأجانب تدفقوا إلى سوريا والعراق عبر حدودها المتراخية وتحت إشراف ومتابعة الاستخبارات التركية -الغربية. في هذا السياق فإن التوقعات التي خططت لها تركيا وحلفاؤها جاءت في غير صالحها. لو تابعنا المسار الذي رسمته تركيا في سوريا والتي وضعت به كل إمكاناتها، نجد بأنها خسرت رهانها لذلك نرى إن سياسة أنقرة تجاه سوريا في حالة يرثى لها وتعاني من ضربات مستمرة، فاليوم هناك فارق هائل في قراءة المشهد السوري، انطلاقا من وقائع الميدان، فبعد سيطرة الجيش السوري على مجمع وطريق الكاستيلو بريف حلب الشمالي بشكل كامل، بالإضافة إلى المناطق المجاورة له بدت المسألة أقرب إلى الحسم النهائي من أي وقت آخر، بذلك تبدو تركيا المتضرر الأكبر وهي تراقب إعادة تشكيل المنطقة على وقع تنسيق روسي ــــ أمريكي، وتسوية إيرانية ــــ أمريكية، وتطورات ميدانية قلبت الموازين على الأرض السورية. تسير أنقرة على رمال متحركة في المنطقة، ليس هناك سبب واحد وراء هذا، بل هناك أسباب عديدة متشابكة، أهمها، وقوعها تحت ضغط الإتحاد الأوروبي، بعد صعود اليمين في أوروبا ونجاحه في محليات فرنسا (الجبهة الوطنية)، بالإضافة إلى الضجر الأمريكي الواضح من سياسات أردوغان في سوريا ومساعدته الإرهابيين عبر حدود تركيا المفتوحة، ومطاردته الوحشية للأكراد في تركيا والعراق وسوريا، فضلاً عن موقف أردوغان المخجل من قضايا الديمقراطية وحرية التعبير في تركيا مما جعلها تعيش في عزلة، لذلك كان التقارب التركي مع كل من روسيا وإسرائيل، والعمل على تعديل سياستها في سوريا والعراق والتصريحات الأخيرة التي جاءت من أردوغان ورئيس وزرائه: «إننا نعمل على زيادة أصدقائنا والتقليل من أعدائنا»، و»إن هناك تغييرات شاملة في السياسات الخارجية»، أكبر دليل على ذلك. بالتالي إنّ حديث تركيا وبعض حلفائها بقرب انتهاء الأزمة السورية يشير إلى سعيها للخروج من المستنقع السوري لدوافع عدة، حيث بات الجيش السوري يسيطر على مناطق واسعة كانت تحت سيطرة «داعش»، ما يعني فشل الأهداف الإستراتيجية التي وضعتها تركيا وحلفاؤها لعدوانها حيث ما زال الجيش في أوج قوته بينما تعجز المجموعات المتطرفة عن تأمين المناطق المتواجدة فيها، لا سيما في حلب. لذلك لم تعد حلب أولوية تركيا، خاصة بعد التدابير التي أتخذها أردوغان للإنتقام من منفّذي محاولة الانقلاب الفاشلة عليه في 15 جويلية الحالي، واهتمامه بالشأن الداخلي لبلاده «مقاومة عدوه في الداخل التركي» مما أضعف المعارضة المسلحة التي كانت تعتمد على المؤازرة والدعم منه، فضلاً عن سحب الحكومة التركية كل ضباط مخابراتها الكبار الذين كانوا يعملون وينسقون مع فصائل المعارضة في منطقة حلب وريفها كمقدمة لتغيير كبير في الموقف الرسمي التركي تجاه ....