نتيجة تمسك المؤسسة المالية الدولية برزمة إصلاحات اقتصادية ونقدية وضريبية، عجزت السلطة في بلاد الأرز عن التقيد بها ومجاراتها نتيجة حالة انقسام وتشرذم حادين يعيشهما المشهد السياسي في البلاد. ورغم محاولات الإنقاذ إلا أن ذلك لم يسهم في تحسين المؤشرات المالية بل ساهم الانقسام السياسي بشكل أكبر في تعميق الأزمة .
ومنذ جانفي 2022 بدأت الحكومة اللبنانية رسميا مفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول برنامج للتعافي الاقتصادي في البلاد ، إلاّ أنّ المفاوضات لم تحقق تقدما ملموسا وذلك وسط مخاوف من دخول البلاد في مستنقع لا عودة منه . وكان الصندوق وقد اتفق مع لبنان على رزمة إصلاحات اقتصادية وضريبية ونقدية، في محاولة للخروج من الأزمة المالية، تتضمن رفع الدعم وجعل أسعار الصرف مرنة، بالإضافة إلى إصلاحات ضريبية أخرى. وقال سعادة الشامي نائب رئيس الحكومة اللبنانية، أمس الأول الثلاثاء، إن صندوق النقد الدولي حذر من أزمة عميقة لا أفق زمني لها، مع استمرار غياب "الإصلاحات الضرورية" في بلاده.وأوضح الشامي في بيان، أن لبنان توصّل إلى اتفاق مع الصندوق قبل سنة، ولم ينجز إلا القليل من الإجراءات المُتفق عليها.
واعتبر الشامي أن عدم القيام بهذه الإصلاحات من قبل المسؤولين أينما وجدوا، "يقوّض من صدقية لبنان ويزيد صندوقَ النقد تصلّباً في مواقفه ورفضه لقبول أفكار جديدة".ولفت إلى أن لبنان بحاجة إلى استعادة ثقة المجتمع الدولي، "لنكسب بعضا من المرونة بالتعامل الدولي معنا.. المرونة من قبل الغير تتطلب صدقية من قبلنا".
ورأى أن المراوغة في تطبيق الإصلاحات، "قد تؤدي بنا إلى مزيد من المأساوية.. فالضوء في نهاية هذا النفق الطويل يخفت شيئا فشيئا ويكاد ينطفئ".
يوم الخميس الماضي قال رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى لبنان إرنستو ريغو" إن البلاد في وضع خطير للغاية"، وسط تصاعد حدة الأزمات المصرفية والاقتصادية والسياسية.
منعرج خطير
ويعيش لبنان منعرجا خطيرا على الصعيدين السياسي والإقتصادي وذلك نتيجة أزمة مالية غير مسبوقة يمرّ بها منذ عقود، وزادت حدتها منذ انفجار مرفإ بيروت وماخلّفه من تداعيات كارثية على اقتصاد البلاد .ويأمل اللبنانيون في نجاح المفاوضات الشاقة التي يجريها فريق التفاوض الحكومي اللبناني مع صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية ومع الدول الداعمة والصديقة للبنان مثل فرنسا.
يذكر أن لبنان يشهد منذ نوفمبر 2019 أزمة مالية واقتصادية تضعه ضمن أسوإ عشر أزمات عالمية .وقد دخل لبنان في لجنة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي لإقرار خطة التعافي الاقتصادي.
ولئن ساهم انهيار الليرة اللبنانية وزيادة التضخم وارتفاع البطالة في مزيد تدهور المشهد اللبناني وسط ركود اقتصادي امتد لسنوات وصعوبات جمة تواجه رئيس الحكومة الجديد نجيب ميقاتي، الا ان الركود السياسي زاد من معضلات البلاد.
ويرى مراقبون أنّ المواطن اللبناني مقبل على مرحلة جديدة لم يمر بها منذ عقود في علاقة بقدرته الشرائية وأسلوب عيشه والخدمات المعتادة من سفر وسياحة وغذاء وغيرها من العادات التي ستتأثر كما سيتأثر الواقع الاجتماعي المرتبط بالمتغيرات الاقتصادية والمالية الصعبة في لبنان. ويواجه رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي عددا لا يستهان به من الملفات الحارقة أهمّها الأزمة الاقتصادية الخانقة وهي الأزمة الأشد منذ عقود طويلة .
إلى جانب المفاوضات مع صندوق النقد الدولي تحاول الحكومة الحصول على دعم الدول الصديقة على غرار فرنسا التي أكدت على دعمها الكامل للبنان فيما أكدت بعثة الاتحاد الأوروبي، في بيروت، على الوقوف إلى جانب لبنان وشعبه في ‘’هذه الأوقات العصيبة’’. وكان الاتحاد الأوروبي أعلن أنّه أرسى الإطار القانوني لفرض عقوبات على قادة مسؤولين عن التعطيل السياسي، في مسعى لتسريع تشكيل الحكومة ووضع إصلاحات بنيوية على سكّة التنفيذ لإخراج البلد من مأزقه.
ويحاول المجتمع الدولي الضغط على الأطراف اللبنانية لدفعها نحو تشكيل حكومة جديدة كشرط للحصول على الدعم المادي والاقتصادي لتجاوز الفترة الحرجة التي يعاني منها اللبنانيون. إلاّ أنّ التجاذبات السياسية والانقسام الحادّ الذي يتّسم به المشهد اللبناني كان عائقا أمام الدعم الدولي سواء من قبل الدول الصديقة للبنان أو المؤسسات المالية الدولية التي تشترط الحصول على ضمانات سياسية واقتصادية قبل الموافقة على خطّة دعم مالي لبلد مقبل على مرحلة أكثر خطورة .