وكانت تصريحات رئيس الوزراء التركي السابق، أحمد داوود أوغلو جعلت البعض يشعر بالملل والكآبة بسبب تكرارها، خاصة تأكيداته على رحيل الرئيس الأسد، بالإضافة إلى عزم بلاده إقامة منطقة عازلة بمباركة أمريكية تقتضي إقامة جيب في سوريا يمتد من جرابلس في شرق الحدود الشمالية إلى مارع في غربها بطول 90 كيلومترا وبعمق 50 كيلو مترا أي بمساحة تقدر بـ 4 ألاف و 500 كيلومتر مربع، وبالمقابل فإن تلك التصريحات التي أدلى بها يلدريم في مؤتمر صحفي عقده في مقر رئاسة الوزراء بالعاصمة أنقرة أثناء انعقاد اجتماع لمجلس الوزراء ، جاءت مختلفة تماماً، وتتضمن الكثير من المدلولات والمواقف الجديدة والمفاجآت المختلفة، لانها تعكس تغييراً جذرياً في أولويات السياسة التركية تجاه سوريا.
أوضح يلدريم أنّ الوضع الراهن في سوريا لا يمكن أن يستمر، وإنّ حل الأزمة فيها ممكن، شرط أن يقدّم الجميع التضحيات اللازمة في هذا الخصوص، مشيرا إلى أنّ على شركاء أنقرة الإستراتيجيين، وشركائها في التحالف الدولي، العمل على تضميد جراح سوريا، ولفت يلدريم أنّ تركيا تقوم بواجباتها وتبذل ما بوسعها من أجل السلام وإحلال الأمن وفتح أبواب الحل في سوريا، منوهاً، أنّ ثمار السياسات التركية المتبعة تجاه دول الجوار، بدأت تظهر في الآونة الأخيرة، وفي هذا السياق قال يلدريم: «من أجل رفع شأن تركيا في المنطقة، سنعمل على تعزيز وتقوية الدائرة الأمنية المحيطة بنا، وتوسيع شبكة الأصدقاء، ونسعى إلى تطوير علاقاتنا مع جميع الدول بما فيها روسيا والعراق وسوريا ومصر وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي».
إن السبب الحقيقي وراء إصرار الرئيس أردوغان على إقامة المنطقة العازلة في سوريا، هو إيجاد منطقة آمنة للمجموعات المسلحة، والتي يمكن أن تكون نقطة انطلاق لهذه المجموعات لتشن هجماتها على الجيش السوري وكسر شوكته ، وبالتالي إسقاط النظام في سوريا، وإذا لم تنجح هذه المنطقة في تحقيق هذا الهدف على الأقل ستساهم في تقطيع أوصال سوريا وإضعافها، فلم تنجح حتى الآن في تحقيق مطالبها في سوريا، واستصدار قرار يتيح لها إنشاء هذه المنطقة، وذلك بسبب صعوبة الحصول على قرار أممي لإقامة مثل هذه المنطقة، خاصة مع وجود قوة عسكرية قوية رافضة لها تتمثل في الجيش السوري والقوة الجوية السورية، والتخوف الأمريكي من الوقوع في المستنقع السوري، بالإضافة إلى أن هناك رفضا دوليا لهذه الفكرة .
على صعيد متصل جاء الهجوم الإرهابي على مطار اسطنبول الذي نفذته مجموعة من قيادات «داعش» ليقلب الأولويات التركية في الحرب على الإرهاب رأسا على عقب، إذ أصبح تنظيم «داعش» الآن على رأس أهداف الأمن التركي بعد أن حوّل أردوغان في السابق نظره ونظر أجهزته الأمنية إلى الحرب على «حزب العمال الكردستاني»، وتحولت مناطق الجنوب الشرقي من تركيا،إلى ساحات مواجهة شبه يومية بين الطرفين، فيما كانت الفصائل الكردية على الجانب الآخر من الحدود، تخوض معارك صعبة مع «داعش»، وتحقق تقدماً في معظمها، وفي الوقت نفسه تسعى تركيا إلى مغازلة دول المنطقة التي كانت تختلف معها حول القضية السورية وعلى رأسها روسيا وإيران للتعاون معهما من أجل وضع حد للنزاعات التي تعصف بالشرق الأوسط وإعادة الاستقرار إلى المنطقة، ومن هذا المنطلق مدت تركيا يدها للمصالحة مع روسيا، كما بدأت قاعدة المصالح التركية الإيرانية تتقدم مجدداً بعدما تراجعت على وقع الأزمة السورية، حيث يحرص كل طرف على نوع من الموازنة في سياسته الإقليمية والدولية لاستثمارها بأفضل شكل ممكن، ويفهم من هذا الكلام أنهما وصلا إلى مرحلة متقدمة من التوافقات على العديد من قضايا العلاقة الثنائية والسياسية في المنطقة، ولعل التقارب بينهما بشأن الحل السياسي للأزمة السورية، ودور كل طرف في استقرار المنطقة، والتزام التعاون والتنسيق بينهما، يشكل عناوين لهذه الصفقات.
إن الإنقلاب الدراماتيكي في الموقف التركي تجاه سوريا، يعود إلى صمود الشعب السوري وجيشه ، وصلابة الموقف الروسي الإيراني، بالإضافة الى تراجع الموقف الأمريكي والأوروبي عن اشتراطاته للحل في سوريا والتي كانت توجب رحيل الرئيس الأسد أولاً قبل الحل والجلوس إلى مائدة المفاوضات النهائية، كل هذه الأسباب ....