أمريكا، ولهذا قام المؤتمر اليهودي الأمريكي عام 2004 بخطوة إستثنائية بمنح أردوغان وسام الشجاعة وكان أردوغان أول شخص غير يهودي يمنح هذا الوسام، وقال المسؤول عن هذا المؤتمر أثناء تقديم الوسام إلى أردوغان «إن هذا الوسام ليس فقط تقديراً للخدمات التي قام بها أردوغان لأمريكا بل أيضاً يعد تقديراً للخدمات التي قام بها لإسرائيل وموقفه المشرف حيال المجتمع اليهودي في العالم».
وعلى الرغم من عرض مسرحية العداء بين تركيا وإسرائيل وما آلت إليه العلاقة بين البلدين في الوقت الحاضر، فإن المصالح الإستراتيجية الثابتة تشير إلى أن إعادة إحياء الشراكة التركية اليهودية أمر محتوم، وإذا ما تجاوزنا القشور السطحية التي تظهر من خلال التراشقات الإعلامية والدعائية بينهما، فإننا سنرى تشابهاً مثيراً بين الدولتين في العديد من المحاور والأهداف، والوقائع تثبت ماقامت به تل أبيب من تزوید تركيا بصفقات أسلحة خير مثال على ذلك. يأتي إعلان رئيس الوزراء التركي عن إتفاق التطبيع مع إسرائيل، بعد مفاوضات ماراطونية جرت معظمها في عواصم أوروبية بعيداً عن الأعين وسط تكتم شديد وتحركات بالغة الحذر خصوصاً من قبل الجانب التركي تحسباً من تسرب أي معلومات، لكن وسائل الإعلام كشفت الخفايا والتسريبات التي كانت على النقيض تماماً من شعارت التهديد التي رفعها أردوغان ضد الصهاينة، وهو أمر أوقعه في حرج أمام مواطنيه، لذلك لم يكن غريباً أن تثور جمعية شباب الأناضول إحتجاجاً على سياسة حكومة العدالة والتنمية ومخاطبين قادتها «بعدم الجلوس على طاولة المفاوضات مع إسرائيل المجرمة وإلا فسوف يحاسبكم الشعب». يخطئ من يظن أن إتفاق تركيا وإسرائيل، على إعادة تطبيع العلاقات بينهما، وتجاوز خلافاتهما، هو بداية التعاون بين الجانبين، فالحقيقة أن العلاقات بينهما تاريخية وعميقة، والتعاون خاصة في المجال العسكري ممتد منذ سنوات طويلة، وتركيا هي أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل، وذلك في مارس 1949،.
وتعززت هذه العلاقة بمباركة أمريكية مع دخول تركيا حلف الأطلسي عام 1952، وبعدها إرتبط الجانبان بعلاقات إقتصادية وعسكرية كبيرة ومناورات مشتركة، وتطورت العلاقات العسكرية إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية، إلى جانب 16أكثر من إتفاق للتعاون العسكري والصناعات العسكرية المشتركة. في سياق ذلك تسعى الإدارة الأمريكية وهي معنية بترتيب المنطقة وعدم إيجاد نقاط مواجهة جديدة حتى تتمكن من التفرغ لمهام إستراتيجية أخرى ترتبط بسياستها الدولية والعالمية، لذلك كان من المهم بالنسبة لاوباما تحقيق المصالحة بين أردوغان ونتنياهو لإعادة هندسة المنطقة بما يحمي مصالحها ويخدم إستراتيجيتها الجديدة، وإعادة إحياء التحالف الإستراتيجي بين الشركاء الثلاثة، للاستفادة من قدراتهم المشتركة في التعاطي مع ما قد تتمخض عنه الثورات العربية من مفاجآت وتحديات. هناك مشروع ينفذ في المنطقة لمساعدة إسرائيل على السيطرة الكاملة على حقول الغاز الموجودة شرق المتوسط ونقلها بخطوط غاز عبر البحر إلى تركيا ومن هناك إلى أوروبا، كذلك الاستفادة من ثروات المنطقة النفطية في العراق وسورية من خلال تصديرها إلى إسرائيل عبر تركيا، وهذا ما لاحظناه من خلال تصدير نفط إقليم كردستان العراق والنفط المهرب من سورية والعراق إلى إسرائيل عبر تركيا، حيث تكون الاستفادة متبادلة من خلال تصدير النفط من المجموعات المسلحة إلى تركيا.
في نفس السياق إن مشاريع التعاون الأمني بين إسرائيل وتركيا قد ساهمت في تغيير موازين القوى في المنطقة، خاصة بعد دعم تركيا القوى المتطرفة والمجموعات المسلحة في سوريا، وهذا الدعم جاء تنفيذا لسياسات أمريكا وإسرائيل لإسقاط نظام الرئيس الأسد، لتحقيق عدة أهداف أهمها: - فصل سوريا عن إيران بما يضع الأخيرة في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، وبالتالي يحقق أهداف تركيا في مد نفوذها في منطقة الشرق الأوسط وإنهاء المنافسة الإيرانية لها، - إيقاف الدعم الإيراني لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين وفك الارتباط بين طهران وحزب الله، خدمة لإسرائيل، - إجبار دمشق على إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل بما يتماشى مع أهداف ومصالح إسرائيل، لذلك يعتبر عدم تعاون تركيا مع المجتمع الدولي في مواجهة «داعش» الارهابي في العراق وسوريا هو جزء من المخطط التركي الإسرائيلي في السيطرة على منابع النفط في المنطقة. وعلى صعيد آخر كشقت صحيفة «هآرتس»، وجود نص ضمن ورقة التفاهمات الأولية، يقضي بأن تلتزم أنقرة بمنع انطلاق الأنشطة الإرهابية ضد إسرائيل من الأراضي التركية، ما يعني أن أنقرة وافقت على الشرط الإسرائيلي بمنع حماس من البقاء أو النشاط في تركيا ، كما قبلت أيضاً بطرد الناشط في الحركة، صالح العاروري، الذي تتهمه إسرائيل بتحريك وتمويل خلايا إرهابية في الضفة المحتلة، والأهم من كل ذلك هو خلوّ ورقة التفاهم بين الجانبين من أية إشارة إلى الشرط الأساسي الذي طالما تمسكت به تركيا للتطبيع مع إسرائيل ، وهو ضرورة إنهاء الحصار عن قطاع غزة، بل سلم حماس إلى المقصلة بثمن زهيد قوامه أن يبعد النار والفوضى عن حدوده ويزيح القلاقل الداخلية عن حكمه.
هكذا باع أردوغان الفلسطينيين من أجل استعادة التعاون التاريخي مع إسرائيل، وبالتالي فإن خطورة التراجع التركي أنه يصيب في مقتل صدقية أردوغان في ما يخص القضية الفلسطينية أمام مؤيديه داخل بلاده وفي خارجها، الأمر الذي قد يحمل في طياته عواقب وخيمة على شعبية أردوغان وصورته في الداخل والخارج ، بذلك لم يعد أردوغان قادراً على بيع شعاراته في الساحة الفلسطينية بعد هذا الانكشاف.