في المأدبة انطلاقا من نص خطاب الرئيس فرنسوا هولاند الذي تعذر له الحضور لمشاركته ولكنه خرج عن النص الرئاسي الأصلي لإقحام هذه المعادلة الجديدة.
وهو ما يشكل مشكلة حقيقية لكل الشخصيات والجمعيات الفرنسية التي تناضل منذ زمن ضد الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وتعتبر أن الكيان الصهيوني يطبق نظام «الأبارتايد» ضد الفلسطينيين.
منذ انطلاق الجمهورية الخامسة في فرنسا على يدي الجنرال دي غول كانت للدولة الفرنسية «سياسة عربية» تعتمد على التوازن بين دعم دولة إسرائيل في حقها في الوجود والمطالبة بدولة فلسطينية مستقلة. ولم يحد كل رؤساء فرنسا منذ 1958 على هذا الخط، حتى الرئيس الفرنسي الحالي، ولو أن خطاباتهم تلونت على أساس انتماءاتهم اليمينية واليسارية وعلاقاتهم الشخصية مع مسيري «إسرائيل». واعترف البرلمان الفرنسي بدولة فلسطين في حين ساند الرئيس هولاند مبدأ الدولتين. فهل تغير موقف فرنسا في أعلى الهرم؟
التصريح الرسمي للوزير الأول أمام 800 شخصية وطنية فرنسية يشكل تحولا نوعيا في السياسة الرسمية للدولة. من بين المشاركين وزراء حاليون وكل زعماء اليمين المشاركين في تصفيات حزب الجمهوريين للرئاسة وممثلون عن الأحزاب والجمعيات و المؤسسات الدينية المختلفة في فرنسا. وحضر المأدبة أنور كبيبش رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية. أمام هذا المجمع حدد مانويل فالس الموقف الرسمي لحكومته الذي يدعم بدون تحفظ الموقف «الإسرائيلي» الرسمي وموقف مجلس ممثلي المؤسسات اليهودية في فرنسا. لكن حكومته تحتوي على أسماء من أصل عربي عبرت في السابق عن رفضها للسياسة الاستيطانية الإسرائيلية.
اختلاف في أعلى الهرم
في مأدبة العشاء عبر روجي كوكيرمان رئيس مجلس ممثلي المؤسسات اليهودية في فرنسا عن تخوفاته الشرعية من تنامي الهجمات ضد اليهود إلى حد أنها شكلت نصف الهجمات المسجلة ضد الجاليات الدينية في فرنسا عام 2015. ردا على هذا التخوف قال مانويل فالس «نعم، هذه حقيقة ونحن لا نقبلها. يهود فرنسا خائفون ، وهذه حقيقة». وندد بـ«كراهية إسرائيل» و أضاف جملة من الإتهامات ضد « أقصى اليمين» و«أقصى اليسار» و ندد بـ«لاسامية الأحياء الجميلة و الأحياء الشعبية و الشباب الراديكالي». و ختم قوله بجملة «هنالك معاداة للصهيونية ، وهي مرادف اللاسامية و كراهية إسرائيل»، أحرجت بعض المشاركين في مأدبة العشاء و استحسنها منظمو المأدبة.
على صعيد آخر، دعم الوزير الأول موقف المؤسسة اليهودية بتنديده بـ«الشباب الراديكالي» بالجملة و بـ«الإرهاب الإسلامي» وهي عبارات لم ترد في نص خطاب الرئيس فرنسوا هولاند. والمعروف أن رئيس الدولة صرح في عديد المناسبات، وخلال زيارته لتونس بالخصوص، أن «الإسلام يتماشى و الديمقراطية». و أنه حرص، بعد هجمات 13 نوفمبر، في خطابه أمام مؤتمر البرلمان على ألاّ يحمّل مسلمو فرنسا نتيجة الأعمال الإرهابية. وكان ذلك موقف وزير الداخلية و الناطق الرسمي باسم الحكومة.
فماذا حصل حتى يتغير الخطاب تجاه الموقف من المسلمين بالتزامن مع دعم الكيان الصهيوني؟ سبق و أن أعلن مانويل فالس مساندته للدولة الإسرائيلية في عديد المناسبات و لم يحسب على الموقف التقليدي للدولة الفرنسية. و سبق أن أعلن مانويل فالس لراديو جوداييكا بسترازبور في 17 جوان 2011 ما يلي: «أنا متصل ، من ناحية زوجتي، بصفة أزلية بيهود إسرائيل». وهو موقف مفهوم و ليس غريبا لآن زوجته يهودية. لكن أن يترجم رئيس الحكومة قناعاته الشخصية في تصريحات تهم الدولة فهو يعتبر تغييرا للموقف الرسمي.
إلى حد اليوم، سكت أعضاء الحكومة عن تصريحات رئيسهم. لكن بعض الأصوات في الجمعيات لا تشاطر الموقف المتطرف لمانويل فالس خاصة أن شخصيات إسرائيلية تناضل، في قلب إسرائيل، منذ سنين من أجل حل سلمي شامل على أساس حل الدولتين و تندد بنظام الميز العنصري المسلط على الشعب الفلسطيني. فهل يكون مانويل فالس حريصا أكثر من الإسرائيليين على إسرائيل؟