واستشاط الأتراك غضبا و ثارت ثائرتهم و ارعدوا و أزبدوا و توعدوا بني صهيون بالويل والثبور و تعالى صراخهم حتى خلنا أن حربا عالمية ستندلع في الأفق. وخرج صدرهم الأعظم يومها ليضع ثلاثة شروط لاستئناف علاقات بلاده التاريخية مع الكيان الصهيوني وهي الإعتذار العلني عن الهجوم، والتعويض للضحايا، و... رفع الحصار عن قطاع غزة.. نعم هكذا و بكل ثقة بالنفس طالب الأردوغان الصهاينة برفع الحصار عن غزة واعتقد السواد الأعظم من البسطاء والعامة في العالمين العربي والإسلامي في صدق نواياه.
و مرت سنوات على الحدث الذي حظي باهتمام عالمي كبير في حينه، و لم يتزحزح الصهاينة قيد أنملة في موقفهم، وأصروا على عدم الرضوخ وأمعنوا في مزيد إذلال الشعب الفلسطيني و إحكام الخناق على جزء هام منه في تلك المساحة الضيقة. ورضخ في النهاية المتشبه بالسلطان سليم الأول وهاهو يوقع على اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، أو إعادة إحيائها، دون أن يرفع الحصار عن غزة، التي يبدو أن المطالبة بفك أسرها كانت مطية أردوغانية لمزيد التغلغل في الأوساط الجماهيرية العربية لتحقيق المنافع لبلاده وأمته التركية لا غير.
لقد أحاطت جماهير الحركات الإخوانية ومنها جماهير حركة النهضة في تونس أردوغانها بهالة عجيبة وصلت إلى حد المبالغة حتى خاله البعض نبيا مرسلا من السماء، أو هو المهدي المنتظر مخلص الأمة من قرون انحطاطها. وطبلوا وهللوا له و نسبوا له بقصد أو بدونه كل ما تحقق في تركيا من إنجازات، بنفس المنطق الذي اعتبروا من خلاله الستين سنة التي سبقت حكمهم لتونس سنوات فساد واستبداد، ويدرك القاصي والداني و من زار تركيا قبل قدوم أردوغان أن نهضة هذا البلد العلماني هي مراكمة لإنجازات زعماء أتراك تداولوا على حكم البلاد منذ إعلانها دولة مستقلة بداية العشرينيات من القرن الماضي زمن زعيمها المؤسس مصطفى كمال أتاتورك.
فهل آن الأوان لأن يخلع أردوغان ثوبه الديني الإخواني الذي تدثر به على امتداد سنوات «الربيع العبري» ويكف عن التظاهر بالدفاع عن.....