سيدعم هيمنة هذه الأطراف على القرار الليبي وسيحشر حفتر والبرلمان في الزاوية خاصة مع تلكؤ هذه الأطراف في عملية التصويت لحكومة الوفاق.
والحقيقة أنه لولا الدعم الغربي لما كان لإخوان ليبيا كل هذا الشأن، منوا بهزيمة نكراء بداية في الإنتخابات التشريعية لكنهم التفوا على نتائجها ورفضوا تسليم السلطة في طرابلس للبرلمان الجديد ما أضعف من مصداقيتهم محليا و دوليا. ثم سخروا القضاء لخدمتهم و فرضوا على المحكمة الدستورية العليا بقوة السلاح الإقرار بعدم شرعية البرلمان المنتخب.
ورغم ذلك لم يتحرك «الغرب الديمقراطي» وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية لعزل الحاكمين بأمرهم في الغرب الليبي واكتفى بالإقرار بشرعية برلمان طبرق والحكومة المنبثقة عنه. كما قام المجتمع الدولي بإلقاء طوق النجاة لهؤلاء ممثلا بحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج الأمر الذي أعاد «الملتفين على نتائج الإنتخابات الديمقراطية» إلى واجهة الأحداث باعتبارهم من يحتضن هذه الحكومة ويوفر لها الحماية وهو ما أفقد المحمي القدرة على معارضة حاميه والتصرف بخلاف مشيئته.
وفي الوقت الذي يمنع فيه السلاح عن الجيش الليبي الشرعي لقتال التنظيمات التكفيرية المرابطة في بنغازي بقرار دولي، تصل الذخائر وشتى أنواع الأسلحة وكذا السيارات المصفحة إلى قوات فجر ليبيا التي فرضت نفسها على الجانب الجزائري كأمر واقع وجب التعامل معه. أما الطرف التونسي فيبدو مرحبا منذ فترة حكم الترويكا وحتى قبلها بالتعامل مع إخوان ليبيا ولا بديل له عن ذلك رغم الإدعاء بالوقوف على مسافة واحدة من الطرفين.
لقد كان من المفروض أن يتم نزع سلاح جميع الميليشيات وتسليمها إلى جيش ليبي موحد يتولى محاربة الإرهاب بإشراف حكومة وطنية ليبية موحدة. فلا شيء يضمن أن لا يتم تسليم سرت مجددا للعناصر التكفيرية في إطار مناورة ما، خاصة وأن فجر ليبيا اتهم في وقت سابق بتسليم المدينة إلى داعش التي باتت تحاربها اليوم بعد أن تغيرت المعطيات على الميدان محليا وكذا الظروف على الساحتين الإقليمية والدولية.
إن جماعة الغرب الليبي هم اليوم في وضع أفضل من «أهل طبرق» ما في ذلك شك، لكن ليبيا ليست في وضع جيد بتاتا مادام هناك من يناور ويلعب ورقة داعش خدمة لأجندات خارجية لا علاقة لها بالمصلحة الليبية. فيحارب هذا التنظيم التكفيري متى تراءى لصاحب الفضل وراء المحيط ضرورة محاربته، ويعف عنه ويسلمه المدن ومصير مواطنيه متى تراءى للرعاة وأسياد القرار أيضا ضرورة غض الطرف عنه.
ولا يخفى على عاقل أن في فجر ليبيا أطرافا انتمت سابقا لتنظيم القاعدة حاملة للفكر التكفيري لا تختلف فكريا وعقائديا عن تنظيم داعش الذي تتم محاربته في سرت رغم أن منسوب العنف يقل عند هذا الطرف مقارنة بذاك. وبالتالي فإن الدافع إلى معركة سرت لا يخرج عن أحد أمرين: إما أن الأطراف الغربية الفاعلة في ليبيا قررت إحالة التنظيم الداعشي على التقاعد بعد نهاية دوره الترهيبي فدفعت بكتائب مسراطة إلى شن حرب بالوكالة، أو أن هناك صراعا حقيقيا على النفوذ بين «الدواعش» و»الفجريين» يقتضي أن يزيح أحدهما الآخر بعد أن تضاربت المصالح على غرار ما حصل في تونس بين حركة النهضة وتنظيم أنصار الشريعة.
أما حديث البعض عن حرب على الإرهاب من قبل كتائب مصراطة تستهدف الفكر التكفيري لهذه الجماعات وتقاوم العنف المستشري لهؤلاء والموجه للساكنة المحلية فهو أمر لا يستقيم. ففي النهاية سواء سيطرت داعش على سرت أو قاعدة الظواهري أو الأعور أو غيرها فالأمر سيان وليبيا لن تعرف الإستقرار المنشود.
ولعل الإتهامات التي يوجهها الجيش الليبي لـ»الفجريين» في مصراطة وطرابلس بمد تكفيريي بنغازي بالسلاح، وهم الذين يقاتلون الجيش بقيادة حفتر، تبدو قريبة إلى المنطق لسبيين أولهما التقارب الفكري بين تكفيريي بنغازي وأطراف في فجر ليبيا، وثانيهما رغبة فجر ليبيا في هزيمة حفتر وإنهاء وجوده من خلال هذه الحرب باعتباره الأقدر على أن يحول دون تمدد فجر ليبيا ناحية الشرق. كما ان ما يدعم هذا الرأي هو طول أمد معركة بنغازي التي يؤكد خبراء عسكريون أن حفتر قادر على حسمها في الظروف العادية بالنظر إلى ما بحوزته من عتاد حربي، وأن التفسير الأقرب إلى المنطق لصمود إرهابيي بنغازي هو وجود جهة ما تزودهم بالسلاح.
وفي النهاية قد ينجح فجر ليبيا في تحقيق مبتغاه الآني المتمثل في فرض حكومة الوفاق التي أحكمت تطويقها، لكنه سيفشل فشلا ذريعا في بناء وطن ليبي لا يشعر فيه أي طرف بالضيم على قاعدة لا غالب ولا مغلوب. فالعقلية القبلية القائمة على الثأر والغنيمة وهزيمة الآخر وسحقه هي الطاغية على السلوك العام ، ستقف حجر العثرة أمام جهود البناء والمصالحة الشاملة.